كتب :: محمود السالمي
لا بد لنا من الإشارة إلى أن الأغنية الشعبية عبر مئات السنين كانت عنصراً مؤثراً وفاعلا فى مختلف جوانب الحياة .. واستخدمها الناس عامة فى شتى الأغراض في وقت لم يتبلور فيه مفهوم الأغنية أو لم يعرف فيه الناس الأغنية بمفهومها الحالي .. فالراعي مثلا في أقصى شرق ليبيا كان يستعين بأغنية العلم في أدائه لعمله وإنجاز مهامه المتعلقة بالرعي ، ويستخدم أغنية العلم في التحذير من الغزو ، ومن غارات الذئاب على القطعان ومن أشياء أخرى كثيرة فهو يقول مثلا ً : خوذ غايتك ياذيب الكلب راح والراعي رقد أو يقول فى التحذير من الغزو : ياراقدين النوم جاكم السيل وشالكم وكذلك فإن الفلاح أو المزارع في الواحة يستعين في أداء أعماله بالغناء وعبر ما يترنم به من أغانٍ عرفت باسم ( أغاني الجبادة ) من مثل : اللي طلب يطلب الله أيقول يا كريم المعاطي إلا العبد خليك منه لا يشيعك لا يواطي أو يقول : زين النخل بالعراجين وزين النساء بالسوالف ابنادم آليا كان مسكين جميع ما أيديره امخالف . وكذلك المرأة حينما تقوم بأعمال البيت فإنها تستعين بالغناء ، وقديما كانت المرأة تغني على إيقاع الرحى فظهر ما يسمى ( بأغاني الرحى ) وهي أغانٍ خاصة بالمرأة وتتغنى بالأخ والزوج والحبيب و الأم وغيرها وجلها موضوعات ذات قيمة اجتماعية كبيرة فهي تقول مثلا : يالله نبغى اناديك تفزع آليا ضاق حالي كل المفاتيح فى ايديك وكل واعرة حلها لي أو تقول : أنا خوي غالي عليا وما ايلومني فيه والي كيف الشراب الشوية في الصيف تاو القبالي ويمكننا القول إن الأغنية الشعبية قد استقبلت عدداً من المؤثرات من خارج مناطق ليبيا أنتجت ضمن ما أنتجت أنواعا أخرى من الغناء لا يعرفها كثير من المستمعين ، على سبيل المثال هناك نوع من الغناء يسمى ( الكريدي ) ويغنى في (مرزق) وضواحيها.. ويبدو أن هذا النوع من الفن دخل إلى منطقة الجنوب الليبي عن طريق القادمين إليها من الدول الأفريقية المجاورة وتحديداً من تشاد فلا غرابة أن يحدث التأثير والتأثر .. وفي ( سوكنة ) بواحة الجفرة نوع من الغناء قديماً كان يسمى (لكريدي ) ويحكي كبار السن أنه جاء إليها عن طريق نسوة من منطقة الجنوب كن يتغنين به في مناسبات الزواج ونشرن هذا الفن في تلك المنطقة وأصبح فناً من الفنون المتداولة فيها والأرجح أن هؤلاء النسوة هن من منطقة مرزق لأن الاسم عندهم متطابق …وعلى كل حال تضل الأغنية إرثاً لابد لنا من المحافظة عليه أياً أصوله
طالما أنه استقر ضمن مورثاتنا .. وقد اخترت في حلقة اليوم أغنية يقول مطعلها : انا جايك غرضان بو عين سوده ام الحلق رنان في هذه الأغنية يخاطب الشاعر المرأة التي يحب .. ويقول ( أنا جايك غرضان ) أي أنا عندما جئتك فإنني جئتك لغرض معين في نفسي ، ولأنني أحبك خاصة وأنك ( بو عين سودة ) أي أن عيونك سوداء ويزيد جمالك لبسك ( للقرط ) أو الخرص وهو ما أشار إليه باسم ( الحلق رنان ) وتشير مصادر تاريخية إلى أن السيدة ( هاجر أم إسماعيل ) عليه السلام هي أول من جر الذيل ولبست القرط للزينة .. ثم يكمل : أنا جايك بالحق بوعين سودة وبو وشام ازرق صيفة هميل الرق اللي حازها ما يشبح النيران يؤكد الشاعر هنا أن مجيئه للمحبوبة ورغبته فيها هي رغبة حقيقية صادقة ، خاصة أنه يعشق العيون السوداء فيها ،، ولها وشم أزرق اللون يزيدها حلاوة وجمالا فهي تحمل ( صيفة هميل الرق ) .. أي صفة الغزال في رشاقتها وجمال عينيها .. وتنطق الكلمة بالكسر مرة فيقال ( هميل الرِق ) وبالفتح مرة أخرى فيقال ( هميل الرَق ) إذ يغني رجال البادية على وقع الأكف في الكشك فيقولون : زولك زول هميل الرِق اللي من ناره مضايق وعودة للأغنية الشعبية يعتقد شاعرها أن الذي يصل إلى هذه الفتاة الموصوفة في الأغنية لتكون زوجة وحليلة له ( ما يشبح النيران ) فكأن الله سبحانه وتعالى سيدخله الجنة ولن يُعرض على النار أبداً .. ثم يقول : أنا جايك مليوع بو مقلدة لاباس للمطبوع وهو جايني في الطوع صادق معايا في الغلا ماخان مجي الشاعر هذه المرة للحبيبة لأنه يحمل في قلبه لوعة ً وشوقا (أنا جايك مليوع ) ثم يعود لوصف المرأة التي أحب ليقول عنها إنها ( بو مقلدة لاباس للمطبوع ) أي أنها تلبس
قلادة ذهبية أو فضية وهي في كل حالة تلبس كل أصلي ( المطبوع ) والذي يحمل ختما يدل عليه وعلى جودة صناعته .. وهذا الحبيب ( جايني في الطوع ) أي أنه مطيع لمن أحب ، ومن أحب مطيع له وهو أيضا ( صادق معايا في الغلا ما خان ) أي أنه بعيد عن الخيانة صادق الوعد وكلها صفات محبوبة وتقرب الحبيب إلى الخاطر .. ثم : أنا جايك بصحيح يابو حوادق من هواك جريح كلام العرب في الريح ما يشغلك ياوافية لضنان في هذا البيت يؤكد الشاعر رغبته الصادقة وصحة عزمه على الارتباط بالمحبوب الذي وصفه بأنه ( بو حوادق ) والحوادق في العامية هي جمع حدقة أي حدقة العين ، التي ترتبط عادة بالاتساع الذي يضفي على عين المرأة جمالا خاصة إذا كانت مكحولة الأهداب ، ثم يتجه الشاعر لتقرير قاعدة يقول فيها إن ( كلام العرب ) أي كلام الناس عادة لا أساس له وتذروه الرياح فيمضي معها مع مرور الوقت ولا يبقى له تأثير لذلك ( ما يشغلك يا وافية لضنان) أي لا يجب أن تهتم أو تنشغل المحبوبة بهذا الكلام غير المجدي وعبارة ( وافية لضنان) أي لا يجب أن تهتم أو تنشغل المحبوبة بهذا الكلام غير المجدي وعبارة ( وافية لضنان ) تعني أن لا تخيب ظن حبيبها الذي هو شاعر الأغنية هنا فهي وفية لما يعتقده الشاعر فيها . ثريتا الغلا يشقيك فى وسط بيتك من بعيد ايجيك ايحاكيك وتحاكيه يحكم ايوليلك كما السلطان يصل الشاعر في هذا البيت إلى قناعة أن ( الغلا ) أي الحب يشقي صاحبه وقد يأتيه وهو في غفلته وإن كان مقيما في بيته لا يغادره ليشكل له قصة محبة عبر عنها الشاعر بقوله ( ايحاكيك وتحاكيه ) لتكون القصة وليصير الهوى هو السلطان الحاكم للنفس المتحكم في العقل والقلب .. وقديماً قال الشاعر العربي : عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من أدرى ولا أدري وقال آخر واصفاً لحالة مشابهة : الحب أول ما يكون لجاجة تأتى به وتسوقه الأقدار حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى جاءت أمور لا تطاق كبار وهكذا كان حال هذا الشاعر .. أن لا تخيب ظن حبيبها الذى هو شاعر الأغنية هنا فهي وفية لما يعتقده الشاعر فيها . ثريتا الغلا يشقيك فى وسط بيتك من بعيد ايجيك ايحاكيك وتحاكيه يحكم ايوليلك كما السلطان يصل الشاعر في هذا البيت إلى قناعة ان ( الغلا ) أي الحب يشقي صاحبه وقد يأتيه وهو في غفلته وإن كان مقيما في بيته لا يغادره ليشكل له قصة محبة عبر عنها الشاعر بقوله ( ايحاكيك وتحاكيه ) لتكون القصة وليصير الهوى هو السلطان الحاكم للنفس المتحكم فى العقل والقلب .. وقديماً قال الشاعر العربي : عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من أدرى ولا أدرى وقال آخر واصفاً لحالة مشابهة : الحب اول ما يكون لجاجة تأتى به وتسوقه الاقدار حتى اذا اقتحم الفتى لجج الهوى جاءت امور لا تطاق كبار وهكذا كان حال هذا الشاعر ..