#اتفاق_ادلب ..” مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ “

#اتفاق_ادلب ..” مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ “

كتب :: حسن الوافي :: 

“لا ادلب بعد ادلب”

بهذا الصرخة المدوية التي أطلقها المبعوث الأممي إلى سوريا (ستيفان دي ميستورا) في جلسة مجلس الأمن التي خصصت لمناقشة مستجدات الملف السوري بتاريخ 7 سبتمبر الماضي، لفت الإنتباه إلى حقيقة أن منطقة ادلب تشكل المعقل الأخير للجماعات المسلحة المناوئة للحكومة السورية وكذلك الجماعات الإرهابية حسب تصنيف الأمم المتحدة. وما ركز عليه المبعوث الأممي الأتي:

في منطقة ادلب، هناك ما يقرب من 3 ملايين شخص غالبتهم من المدنيين، وهناك مجموعات إرهابية مدرجة في مجلس الأمن – بما في ذلك غير السوريين والمقاتلين الأجانب. تلك التي كانت تفعل أشياء فظيعة في أماكن أخرى كثيرة.”

بحسب تقديرات المبعوث الأممي فإن المقاتلين الإرهابيين يصل عددهم إلى 10,000 مقاتل (ومصادر أخرى تشير إلى أنهم حوالي 30,000 مقاتل) غالبيتهم من المقاتلين الأجانب الذين رفضوا اتفاقيات المصالحة مع الحكومة السورية في السابق، وتم ترحيلهم عبر ما يعرف بالباصات “الخضراء” إلى ادلب!

الاتفاق التركي الروسي

وقف العالم على أطراف أصابعه ينتظر ما وصفته الأمم المتحدة بأنها ستكون أكبر كارثة من صنع البشر قد تحل بحوالي 3 مليون نسمة في حال شن قوات الجيش السوري معركة عسكرية لتحرير ادلب وتطهيرها من “الجماعات الإرهابية”، فمن المؤكد إن التكلفة البشرية ستكون عالية جدا علاوة على نزوح السكان إلى تركيا التي تحتضن بالفعل أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، وربما ستتجدد موجة اللجوء إلى أوروبا وسط صعود التيار اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين مما سيؤثر على الاستقرار السياسي فيها. وستخسر روسيا أيضاً جراء التكلفة البشرية الباهضة أي تعاطف، وسيتم استغلاله في تشويه صورتها لدى الرأي العام العالمي وستتأخر خططها في إعادة الاعمار والتسوية السياسية لصالح حليفها بشار الأسد، وربما يصل إلى المطالبة بمحاكمته كمجرب حرب بتهم الإبادة الجماعية على غرار سلوبودان ميلوسيفيتش رئيس جمهورية يوغسلافيا السابقة أمام المحكمة الجنائية الدولية عام 2001.

إذاً كان الجميع يبحث عن مخرج ليحمي مصالحه الوطنية ولو على حساب قوم آخرين، وجاء الاتفاق التركي الروسي ليوفر هذا المخرج ويتنفس الجميع الصُّعداء.. ولكن على حساب من سيكون هذا المخرج وأين سيتبخر أكثر من 10,000 مقاتل إرهابي أجنبي؟!

ويتضمن الاتفاق، وفق ما أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب القمة التي جمعته بالرئيس التركي في المنتجع الروسي سوتشي، البنود التالية:

أولا: إنشاء منطقة “منزوعة السلاح” في ادلب بحلول 15 أكتوبر الجاري، على طول خط التماس بين قوات النظام والفصائل بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومترا.

ثانيا: انسحاب المقاتلين المتشددين من تلك المنطقة، بما في ذلك “جبهة النصرة” التي باتت تعرف بهيئة تحرير الشام بعد فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة.

ثالثا: تمتد هذه المنطقة على طول الحدود الإدارية لادلب مع محافظات حلب (شمال) وحماة (وسط) واللاذقية (غرب).

رابعا: في مهلة أقصاها العاشر من شهر أكتوبر الجاري، يترتب على “جميع فصائل المعارضة” إخلاء هذه المنطقة من السلاح الثقيل، على أن “تسيطر وحدات من الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية” عليها.

ويرجح محللون أن تكون البنود التي تم الإعلان عنها في سوتشي جزء من مضمون الاتفاق وليس كله. ويقول الباحث في معهد “شاتام هاوس” حايد حايد، لوكالة فرانس برس إن “تفاصيل الاتفاق اليوم ليست واضحة ولا أعتقد أن هذا هو الاتفاق بالكامل. إنها فقط البداية، المرحلة الأولى”، لافتا إلى أن بقية التفاصيل قد تتضح في مرحلة لاحقة.

المقاتلين الأجانب و”الحلقة الأضعف”

في بدايات الربيع العربي، غني عن التذكير أن الثورة السورية السلمية ضد النظام الحاكم في دمشق قد تلقت الكثير من التعاطف الدولي، ولكن ليبيا بحكم المد الثوري وسطوة التيار الإسلامي كانت من أول الحكومات التي بادرت في العاشر من  شهر أكتوبر 2011 بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري (الممثل الوحيد حينذاك للثورة السورية)، وقامت بطرد القائم بالأعمال السوري والعاملين معه من طرابلس، وكذلك قررت الحكومة الليبية في شهر مارس 2012 منح المعارضة السورية مساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار، وسمحت للمجلس الوطني السوري بفتح مكتب له في طرابلس. هذه كانت الإجراءات المعلنة ولكن غير المعلن أن المساعدات تجاوزت الشق الإنساني إلى الدعم الفعلي مع تحول المعارضة من المظاهرات السلمية إلى العمل المسلح، والذي ساهمت فيه العديد من الدول العربية (قطر والسعودية والإمارات) وكذلك سهلت تركيا عبور المقاتلين من كافة دول العالم وغضت الدول الأوروبية الطرف عن تجنيد الجماعات الإرهابية للمقاتلين في دولهم وتجمعهم في تركيا وانتقالهم إلى الداخل السوري ليشكلوا ما يعرف الآن بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب والذين يتم بحث مصيرهم بعد تجميعهم في ادلب.

تشير الإحصائيات الإستخباراتية أن نسبة كبيرة من المقاتلين الأجانب في سوريا يأتون من دول مغاربية تأتي تونس على رأسهم. بينما نشر مركز فيريل دراسة نهاية عام 2017، تطرق من خلالها إلى عدد الأجانب الذين يقاتلون في سوريا منذ أبريل 2011 وحتى نهاية سنة 2015، حيث بلغ عددهم 360 ألف مقاتل. وأكدت الدراسة أن هؤلاء المقاتلين توافدوا من حوالي 93 دولة على مستوى العالم، تحتل تركيا المرتبة الأولى بنحو 25800 مقاتل، تليها السعودية بما يقارب 24500 مقاتل، ومن ثم الشيشان بحوالي 21 ألفا. وتحتل فلسطين المرتبة الرابعة بنحو 14 ألف مقاتل. وبلغ عدد المقاتلين العراقيين في سوريا 13 ألف مقاتل، أما اللبنانيون فيقدر عددهم بنحو 11 ألف مقاتل. أما في المرتبة السابعة والثامنة على التوالي، فنجد ليبيا بقرابة 9500 مقاتل، وتركمنستان 8600 مقاتل. وقد وردت مصر في المرتبة التاسعة بحوالي 7500 مقاتل، ثم باكستان 4600 مقاتل، وبعدها الأردن 3900 مقاتل.

نلاحظ في الدراسة غياب دولة تونس، والتفسير ببساطة لأن المقاتلين من تونس كانوا يدخلون تركيا بجوازات سفر ليبية كجزء من دعم الثورة السورية.
الآن وبعد 6 سنوات من القتال، وتغير المشهد السياسي الدولي وتأكد انتصار نظام بشار الأسد، وتغير السياسة الخارجية التركية من السعي للإطاحة به إلى النقيض بالتحالف معه عبر الوسيط الروسي والإيراني لتخليص الأراضي السورية المجاورة لتركيا (ادلب) من شرور المقاتلين الأجانب إلى أي وجهة ممكنة خارج سوريا، وربما حسب جنسياتهم أو الدول التي يحملون جوازات سفرها سواء بالاتفاق مع حكومات هذه الدول أو في غفلتها أو عبر التهريب، وسيتم البحث عن أضعف الدول التي لا تسيطر حكوماتها على أراضيها، ولا يشكل وجود هؤلاء المقاتلين خطر مباشر على الدول الأطراف في الاتفاق.

ومن أكثر الدول المرجحة لأن تكون وكر للإرهابيين العائدين من مناطق النزاع، في حال ما استمرت الأوضاع فيها على هشاشتها وغياب أي سلطة حقيقية على حدودها للأسف هي “ليبيا” الحاضر الغائب في اتفاق ادلب!

مما يذكرنا بمأساة (الأفغان العرب) بعد انتهاء مهمتهم التي وظفتهم فيها المخابرات الأمريكية عبر وكلائها في الشرق الأوسط لقتال الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، وبعد إنتهاء مهمتهم عادوا إلى بلدانهم ليشكلوا تهديد أمني خطير على مجتمعاتهم الأصلية، وهنا يؤسفنا أن نتذكر مقولة الفيلسوف الألماني الاشتراكي كارل ماركس:

“التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة.

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :