بقلم :: أحميد اعويدات
تأمل البعض أن الواقع سيتحسن، لكن أكبر المتشائمين لم يتنبأ بهذا الحال، ما لبث الناس أن استبشروا خيرا من سيطرة القوات التي يصفها الغالبية من الشعب بالجيش ، بعد معارك عنيفة اكتملت ببسط نفوذها على معسكرات الجنوب وقواعده، تبعها ذلك الحلم بالأمن وضرب الأمثلة بفردوسية الحياة التي تعيشها مدن الشرق في ظل سيطرة القوات المسلحة الليبية، وخروج القوة الثالثة، والتي بدورها ساهمت في دق مسمار نعشها في الجنوب بعد المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من مئة وأربعين شخصا، في يوم وصفه المواطنون بالخميس الأسود. التحسن الوحيد الذي طرأ على الوضع هي أعمال عصابات التهريب، والتي ازدهرت بشكل كبير حيث أصبح المهربون يستخدمون الطرق الرئيسية في البلاد لتهريب الوقود والمهاجرين الأفارقة بدلا من الطرق الرملية في وضح النهار، وأمام مرئى الجميع حيث أصبح الطريق الواصل بين سبها وقرى وادي الشاطئ يوصف بـ “طريق الحرير” حيث على بعد كيلومترات قليلة من بوابات الجيش يمكنك رؤية قوافل عربات التهريب. كل يوم يستفيق مواطنوسبها على جثث مرمية في شوارع المدينة ومكبات القمامة، أوعمليات سطو وسرقة في وضح النهار والشمس عمودية ، أو خبر اختطاف طفل ومطالبة أهله بمبالغ خيالية إن لم يدفعوها، فيستحسن عليهم حفر قبر لابنهم وتجهيز خيمة عزائه من الآن، وهذا كله تعيشه مدينة كسبها في ظل الوضع المأساوي الذي يشهده الجنوب من انعدام شبه كامل لأجهزة الأمن . لم يتغير شيء في الوضع الذي تعيشها عاصمة الجنوب للأفضل رغم مرور أشهر على سيطرت الجيش، بل فقط ازداد سوئه، حيث لم تفلح كلمات الحاكم العسكري أو حتى البيانات التي تصدر من قاعدة تمنهنت أسبوعيا في تغيير شيء، ازدياد في عمليات القتل التي وصلت في شهر أغسطس إلى شهر مايو الحالي إلى رقم تجاوزت فيه إحصائية العام الماضي كاملة، ولا ننس أيضا الخطف والإخفاء القسري والسرقة التي ازدهرت حتى طالت أغلب المؤسسات الحكومية إن لم تكن كلها. ليس ذما “للجيش” وشكرا لمن كان قبله ، فقد كنا نعيش في نفس المشهد في ذلك الوقت أيضا ، لكن سوء الوضع الذي نمر به حاليا في غياب كامل تلك القوات التي نصفها بالجيش جعلنا نعتقد أن مهمتها حماية قبائلها لا أكثر وتأمين طرق التهريب لابنائها فقط. كل ما سبق يجعلنا نصل لنقطة تتضح فيها الصورة وينجلي فيها المشهد أمام متابعيه، حيث يمكننا القول بأن الوضع الذي نعيشه هو نتاج من سكان الجنوب أنفسهم، على مر السنوات الماضية، وتلك القوات التي لا زالت تأتي، لم تنجح ولا واحدة منها في السيطرة على الوضع أو حتى تغييره للأفضل ولو قليلا، بل حتى محاولات رأب الصدع القبلي لم تجد نفعا، حيث تأبى القبائل الكبرى الجلوس إلى أي طاولة مصالحة أو حوار إلا بشروط تأمن لها بقاء نفوذها عن طريق ميليشياتها التي تتسمى بأسماء كالجيش والشرطة في ظل الصراع المسلح مع بقية القبائل على مقاليد الحكم في الجنوب ( المطارات – مناصب سيادية – مصالح ومؤسسات حكومية ) لم يتغير أي شيء من قبل، ولن يتغير مستقبلا أيضا ، في حال استمرار نفس تلك المعضلات التي أنتجها أهل الجنوب أنفسهم، وانتظارهم لأحد يأتي من خارجه يحمل عصا موسى لحل كل مشكلاتهم، ليقوم بتوحيد الناس على كلمة واحدة، أو حتى رفع الغطاء الاجتماعي، وبقية الشعارات الواهية التي نسمعها مرارا وتكرارا ، وهو ما لم يتحقق في ظل النزاعات الذي بات يزداد سوادها يوما بعد يوم، وتحول المدينة بشكل كامل إلى غابة إن لم تحتمي فيها بعصابة أوبقبيلة فأنت هالك لا محالة، ويبقى السؤال الذي ننتظر له إجابة. إلى متى سيستمر هذا المشهد .. ؟