الفتاوي الدينية في مواجهة الحداثة

الفتاوي الدينية في مواجهة الحداثة

بقلم :: ابوبكر عبدو

لا أحد يتحدث عن تزوير التاريخ فيما يخص الصدام الذي حدث غزو منتجات الحداثة الغربية المادية من جهة، وفتاوي مشائخ “الازهر وأل سعود” من جهة أخرى، ولن تجد تلك الفتاوي المضحكة والسخيفة التي حاولت معاداة منتجات الحداثة الغربية من مواقع أو أرشيف اؤلئك المشائخ، لانها ببساطة تكشف مدى سخفهم وقصور نظرهم وبشريتهم والتي يحاولون تغطيتها بهيبة الأحتجاج بالنصوص الدينية المقدسة. أمثلة على ذلك، حين وحد الملك “عبد العزيز أل سعود” الجزيرة العربية في دولة واحدة، حاول إدخال “الهاتف والتلغراف” كوسيلتي اتصال لتوحيد البلاد، فخرجت فتاوي غريبة تحرم “الهاتف والتلغراف” وتم إعتبارها علي أنها من سخفهم أدوات شيطانية وطرق للاتصال بالجن وتحرم استخدامهما !.

مثال أخر في القرن الثامن عشر الميلادي دخلت المطبعة لبنان ومصر، وتلقفها المسيحيون العرب بالابتهاج لانها ستطبع الالاف من كتب الانجيل بطريقة سهلة وسريعة، بينما المسلمون العرب إتجهوا الى الازهر ليسألوه شرعية الاستفادة من المطبعة في طباعة القرأن، فكانت المفاجأة بتحريم إستخدام المطبعة قي طباعة القرأن لأنها من صنع النصارى والغرب الكافر أي انها أدوات نجسة لا يشرف القرأن أن يطبع وينسخ منها!، فتأخرت طباعة القرأن بينما كانت حملات التبشير في الدول العربية وخاصة لبنان وسوريا على أشادها وأدت الى تنصير للعديد من المسلمين بالفعل، وقد حل المسلمون هذه الردة بارتكاب مجازر ومذابح في المسيحيين العرب ذاك الوقت في محاولة لوقف حملات التنصير.

فتوى أخرى وبعد إختراع الطائرة، سأل العديد من المسلمين المشائخ في جواز الحج بالطائرة، فخرجت فتوى غريبة ذاك الوقت تقول لا يجوز الحج بالطائرة لان الطائرة تحدي لقدرة الله، فلو كان الله يريد للانسان أن يطير لخلق له جناحين !. فتوى أخرى ظهرت في مصر مع إحتكاكهم بالحضارة الغربية ومحاولة تحديث مصر والقاهرة على النمط الغربي، وكانت فكرة إنشاء شبكة مياه وصنابير إحدى تلك التحديثات، فخرجت ذاك الوقت فتاوى وليس فتوى واحدة تحرم التعامل مع الصنابير – الشيشمة بالليبي – وأن هذا من عمل الشيطان، وأنه أيضا بداية لمفاسد أعظم ستأتي بالمستقبل، حتى أفتى شيخ على مذهب الامام ابوحنيفة وهو مذهب اهل الرأي الممقوت من الحنابلة، بجواز التعامل مع الصنابير، فأطلقت على الصنابير تسمية الحنفية في إشارة الى المذهب الذي أباح إستخدام الصنابير!. والكثير الكثير من الفتاوي الغريبة والشاذة التي تحرم منتجات أو إكتشافات أو إختراعات علمية لانها تضاد” إرادة الله والدين”. حسب قولهم.. مثل تحريم القول بكروية الارض، وتحريم تطعيم الاطفال من شلل الاطفال في باكستان لانه مؤامرة مسيحية على الاسلام، وتحريم التلفزيون والتصوير والسياحة والاثار والاستنساخ و والخ.

المعضلة في الأمر أن كل هذه الفتاوي إستشهد مفتيها بترسانة عريضة من الايات القرأنية والاحاديث النبوية الى درجة تشعر وقد شعر بالفعل الملايين من المسلمين أن التحريم جاء من الله وليس من هؤلاء المشائخ. وفي كل مرة تفرض فيها الحداثة ومنتجاتها نمط حياتها وضرورتها العصرية، تنهزم فيه هذه الفتاوي وتتواري منسحبة خلسة من الكتب ووسائل الاعلام لعل وعسى ينسى الناس غباء تلك الفتاوي، ونتيجة الجهل ينسى الناس بالفعل تلك الفتاوي كأن لم تكن، ولا يتسائل أحد بعد ذلك كيف أن سلطة حراس الدين تتراجع وتنكسر أمام وقائع ومستجدات الحياة الحديثة، في دلالة واضحة قلناها سابقا ونؤكدها هنا مرة اخرى ان الاقتصاد والمادة هي من تؤثر على حياة الناس وتشكل أفكارهم وليس التدين والسياسة والثقافة، بل إن هؤلاء هم إنعكاس للواقع المادي للمجتمعات. أوروبا وثٌقت كل الصدامات تقريبا التي حدثت بين سلطة الكنيسة وعصر النهضة الأوربية الحديثة مثل قصة “غاليليو وإثباته لكروية الارض” التي عارضته الكنيسة عليها وأتهمته بالهرطقة، بينما نحن نزور التاريخ ونخفي ما يشيننا من فتاوي خرقاء عفى عليها الزمن وهزمتها الحضارة الحديثة الى درجة لا يعلم أغلب الناس بهذا الامر الا قليلا ولهذا تبريره المنطقي !.

فمن وثق صدامات الكنيسة بالحضارة الغربية الحديثة هو المنتصر والذي هو من يكتب التاريخ حسب وجهة نظره، ونعلم الان أن الحداثة الغربية انتصرت على سلطة الكنيسة ووثقت كل شيئ عارضها في سبيل هيمنتها وأصبحت فتاوي الكنيسة مادة للنكتة والضحك، وتم أرشفتها وتدوينها كمادة علمية تاريخية تناقش مرحلة مهمة من صعود الحضارة الاوربية الرأسمالية الحديثة، بينما المجتمعات العربية والاسلامية لازالت الى اليوم ترزح تحت نير فقه القرون الوسطى وسلطة حراس الدين وأن أستخدمت وأستعملت منتجات الحداثة الغربية في إنتهازية واضحة، ولم يستطعوا ان يتبنوا قيم الحداثة الغربية أو تظهر حداثة إسلامية أو تنوير عربي إستطاع أن يفرض قيمه على المجتمعات العربية ليوثق ويحفظ معاركه الفكرية بشكل منهجي مع المؤسسات الفقهية القرووسطية.

طبعا هنا لم أتكلم عن فتاوي غريبة أخرى مخالفة للمنطق العقل والانسانية وحتى الاخلاق، مثل إرضاع الكبير وجواز أكل لحم الجن وهدر دم ميكي ماوس ووالخ، وهذه بحد ذاتها محتاجة الى مقال طويل لفضحها. ومن جهل الناس من يأتي ليقول لك إن الإسلام لا يتعارض مع العلم، وهو هنا يقصد إسلامه حسب مذهبه ومشائخه الذي ورثه وتربى عليه، ويسخر من الكنيسة التي أحرقت جوردانو برونو لانه قال بكروية الارض دون أن يدري المسكين أنه يعيش فوق تل من الاكاذيب والتورية التي تغطي على فضائح فتاوي فقهائه المخالفة والمعادية بدورها للعلم الحديث ومنتجاته. من ينتصر يكتب التاريخ ويوثق إنتصاراته على خصومه، ولازال التخلف والجمود منتصراً في بلاد العرب والمسلمين، “لذلك فلن تسمع ما يسوء جهلك وتميزك أخي المسلم.”!.

وتراجيديا ما حدث مع الشيخ العريفي عن نظرية الإعجاز السمعي.. كان مضحكا حقيقة.. والضحك هنا ليس سخرية من الشيخ، بقدر ما هو ضحك على التناقض.. وهذه هي سيكولوجية الضحك.. لكن الأهم هنا هو تحليل الفيديو.. الشيخ، حاول أن يقوم بتجربة علمية، يثبت من خلالها فرضية أن قراءة القرآن تؤثر حتى في شخص لا يفهم العربية، وبالتالي فالقرآن هو فعلا

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :