المعلمة/ سميرة عبدالرحمن لفسانيا::بعين واحدة تعلمت ومازلت أعلم وسأبقى أعلم الأجيال!

المعلمة/ سميرة عبدالرحمن لفسانيا::بعين واحدة تعلمت ومازلت أعلم وسأبقى أعلم الأجيال!

حاورتها :: منى بن هيبة :: عدسة/نزهة البين

يقول الشاعر ابن عباس:
إن يأخذ الله من عيني نورهما..
ففي لساني وسمعي منهما نور..
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج..
وفي فمي صارم كالسيف مأثور..

أبيات تعلقت بها بشدة ولم تحفظها فحسب وإنما كانت هي الخارطة الذهنية التي تحملها بين يديها لتسير نحو النجاح دوما..هي سميرة عبدالرحمن إحدى المعلمات القديرات المكافحات وأجمل كفاح هو عندما يكون الإنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة ويتحدى العجز بالعمل..التقينا بها وتحاونا معها ورصدنا لقرائنا الأعزاء الحوار التالي:
في البداية كيف تقدمين نفسك للقارئ الكريم؟
سميرة عبد الرحمن محمد مواليد 1968/12/12 ولدت ونشأت وترعرعت في أوباري وعلى أرضها أعيش تحصلت على شهادة دبلوم اجتماعيات مع أن البعض قد يراني معاقة إلا أنني والحمد لله من قبل ومن بعد أرى نفسي إنسانة طبيعية مثلي مثل أي شخص سليم ومعافى..لأنني خلقت ووجدت نفسي على هذا الوضع وتأقلمت معه وعشت وكبرت وتعلمت وعلمت أجيالا، ومن بين تلاميذي الذين قمت بتعليمهم من أصبح اليوم زميلا لي في مهنتي التي أحبها جدا وهذا الأمر يعني لي الكثير ومن بينهم نزهة محمد البين وعائشة الطاهر مادي.. وكلما رأيت تلميذاتي في موقع عمل ما أشعر بشعور رائع لايوصف!

                 كم من معوق جسديا قادرا على الركض بعقله مسافات طوال من العلم والمعرفة!!
ماذا عن البدايات والصعوبات و التحديات. ماذا ستخبرينها حولها؟
في الحقيقة الذكريات تمضي وتضيع مع مرور الزمن ولا يتبقى في الذاكرة سوى تلك المواقف الرائعة والمؤلمة دائما.. طبعا بدايتي كتلميذة في الصفوف الأولى الابتدائية كانت صعبة جدا ورائعة جدا في ذات الآن من حيث تقبل الزملاء والمعلمين لي في المدرسة وآلمتني حينما أرغمت على الإحساس بأني لست سوية والتمست هذه النظرة في معظم من تتلمذت على أيديهم ومنهم أذكر المعلمة اعتدال مصرية الجنسية وتجاهلها لوجودي داخل الصف وغيرها كثيرون..فقد تعاملوا معي على أنني لست كباقي زملائي وكانوا ينظرون إلي على أني غبية لاتجيد شيئا ظنا منهم بأن إعاقتي ذهنية وبدنية معا.. بل إن البعض منهم كان ينفر ويتقزز من كراساتي و أدواتي.!

هل من بين المعلمين من تعامل مع وضعك الخاص بشكل أكثر إيحابية وقام بحثك على الكسب والتعلم؟
كنت أتمنى ذلك لكني تضررت كثيرا من سوء المعاملة فلم أجد من يهتم لأمر احتياجاتي الخاصة من حيث عدم قدرتي على الكتابة بشكل سريع نظرا لفقدي النظر بشكل تام فأنا أرى فقط بعين
واحدة! وكنت أجلس في المقعد الثاني أو الثالث على الأغلب..لكني تجاوزت بفضل الله كل تلك الصعوبات واستطعت التغلب عليها في المراحل المتقدمة من الدراسة فاستعضت عن الكتابة من اللوح بالإملاء وكنا نطلب من المعلمين إملاء الدرس بدلا من كتابته عليه وهذا الأمر ساعدني كثيرا ولبى حاجتي في بعض المقررات الدراسية لكن مادة الرياضيات وقفت حجر عثرة أمامي فلطالما عانيت الأمرين من معلميها وسوء تفهمهم لوضعي ومتطلباتي الخاصة و البسيطة فالمادة تتطلب بالضرورة من معلمها كتابة الإشارات والرموز والمسائل والحلول على اللوح!! وهنا واجه المعلمون صعوبة في تقريب المعنى لي وواجهت أيضا الصعوبة الكبرى في إيصال ما أريد لأستوعب!.
سميرة المعلمة الناجحة ماذا ستحدثينا عنها وعن مسيرتها التعليمية؟
اشتهرت بالضرب والإفهام الجيد، فلقد كان تلاميذي الذين علمتهم في مراحل الدراسة الابتدائية دائما يقولون عني ” تضرب لكن اتفهم!” حيث تمكنت بفضل الله من أنال التقدير والاحترام من قبل تلاميذي وولاة أمورهم أيضا زملائي في العمل والإدارة بالمدرسة القرآنية سابقا..أوباري الابتدائية حاليا.. أما عن مسيرتي العلمية فتخرجت عام 1995 وعملت في السنة التي تلتها كمعلمة.. وأود أن أشكر ولي أمر سوداني الجنسية قام بمنحي شهادة شكر وتقدير عام 2003 وأنا اليوم إذ أتذكر الموقف أذكره بكل الخير وأعتز جدا بهذا التكريم خاصة أنه لم يكن من جهة رسمية في الدولة ولكن كان من ولي أمر تلميذة لي.

               أتمنى من الجهات ذات العلاقة العمل الجاد من أجل توفير مدرسة خاصة بهذه الشريحة
ما الإعاقة في وجهة نظرك؟
الإعاقة الحقيقية هي الإعاقة الذهنية ونحن نرى كم من أناس من الله عليهم بوافر الصحة ومتعهم بالعافية التامة غير أنهم فارغون يمشون في هذه الحياة بلا هدف وبدون رسالة.
هل شعرتي يوما بالإعاقة؟
نعم.

مامصدر هذا الشعور ومتى كان؟
شعرت بالنقص عندما صدر قرار مفاده إعفائي من مكتب التعليم من الاستمرار في أداء عملي كمعلمة ولكن وحدها إراة الله من جعلتني أستمر في العطاء التعليمي إلى يومنا هذا!! وفي الحقيقة مصدر هذا الشعور كان موقف بعض الزملاء من القرار..فمنهم من رأى أنه لابد من أن يتم إيقافي رأفة بتشجؤي صعاب السير وهكذا.. لكن من بين زملائي من وقف إلى جانبي وساندني فلما صدر قرار الإعفاء هذا صدر إلى جانبه مذكرة تقضي بنقل إحدى زميلاتي إلى مدرسة الجيل الصاعد بالمشروع سابقا فاعترضت لأن المواصلات كانت غير ملائمة لتنقلها وهكذا فاعترضت بشدة وبعدها رأيت في امتناع زميلتي فرصة ذهبية لي فانتهزت الفرصة وقمت بزيارتها في بيت أسرتها وتحاورنا كثيرا وخرجنا في نهاية الأمر بنتيجة مفادها بقاؤها هي في البيت وخروجي أنا للعمل كبديلة عنها وبالفعل تم الأمر بارتيادي لمدرسة الجيل الصاعد وباشرت فيها عملي واستلمت جدول الحصص اليومية من قبل إدارة المدرسة وكنت سعيدة جدا بتلاميذي وزملائئ وكذلك إدارتي الجديدة.
من كان المشجع والداعم لك في مسيرتك الحافلة بالتحديات يا ترى؟
وحدها الإرادة كانت هي الداعم الأول والدافع الأقوى للنجاح والتعلم والعطاء وإثبات الذات،كما كان للحلم دور بارز في هذا فلقد كانت تراودني فكرة أن أصبح معلمة منذ الطفولة والحمد لله تحقق الحلم وبات واقعا..فوحده الحلم من كان محفزا رائعا في المواصلة والاجتهاد الدائمين، وأنا أقوم بتشجيع نفسي بنفسي في واقع الأمر حيث للأسف الشديد أن هذه الشريحة التي أنتمي إليها لاتحظى بأي اهتمام يذكر بل إن أكثرنا لا يحظون بفرصة إتمام العملية التعليمية إما نتيجة الانتقاذات الشديدة من قبل عامة المجتمع أو من الأقران الأسوياء وأحيانا من الأقرباء وفي أحيان أخرى من الأهل أنفسهم، فنجد من بين ولاة الأمور الذين ابتلاهم الله بابن من هذه الشريحة يخجل من أخذ ابنه للمؤسسات التعليمية لتلقي العمل كما نجد البعض الآخر وأقولها بكل أسف يخجل من إظهار ابنه للاختلاط بالمجتمع أصلا!! ونلاحظ أن الكثيرين من بيننا حرم من نعمة العلم والتعلم وذنبه الوحيد في هذا أنه ولد ووجد نفسه فاقدا لحاجة خاصة.

                                   شعرت بالإعاقة عندما صدر قرار بإعفائي من التدريس!!

رسالة موجزة ترغبين في إرسالها لولاة الأمور ممن لديهم أبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة..ماذا تقولين فيها ياترى؟
عليكم بالاهتمام والتشجيع والصبر والتحمل أولا وأخيرا فهؤلاء أبناؤكم ومن الواجب عليكم الرعاية وإعطاؤهم أبسط الحقوق المتمثلة في التعليم فكم من بصير فطن وكم من معوق قادر على الركض بذهنه مسافات طوال من العلم والمعرفة..!
ذوي الاحتياجات الخاصة ما هي مطالبكم اليوم من المجتمع؟
نحن لانريد أن ينظر إلينا أحد في أي يوم من الأيام نظرة الشفقة نريد فقط أن نعامل بإنسانية تملؤها المودة وتقبل الآخر كما هو وأتأمل من الجميع أن يمنحنا المعاملة العادية البسيطة الراقية البعيدة كل البعد عن الدونية والتعالي.
ماهي رسالتك لمعلمي ذوي الاحتياجات الخاصة؟
نحن كذوي احتياجات خاصة لم نحظى بفرصة التعليم في مدارس خاصة تهتم فقط بتعليم هذه الفئة خاصة في الجنوب الذي يفتقر أصلا لهذه الأمور فلذلك نحن لا يجب أن نعامل كمعاملة الأسوياء فحسب وإنما ينبغي أن نعامل بمعاملة الإنسان مع أخيه الإنسان كما أرجو أن يعطى هؤلاء التلاميذ داخل الصفوف فرصة إضافية أو جانبية لأن السوي يختلف في قدراته الحركية عن أمثالنا ولأنني للأسف لم أحظى بهذا الاهتمام الخاص أتمنى من معلمي اليوم من الأجيال الواعية والمثقفة أن تلتزم الصبر ثم الصبر ثم الصبر..ومن بعد إعطاء هؤلاء العاجزين عن الحركة ولو جزءًا مستقطعا من الوقت فربما عقل بارع داخل جسم معوق!
إذا وجهنا إصبع اللوم نحو وزارة التعليم بالجنوب ووقفتي أمامها اليوم.. ماذا تقولين؟
أتمنى من وزارة التعليم العمل الجاد من أجل توفير مدرسة خاصة بهذه الشريحة أو توفير البديل المتمثل في جناح خاص بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة تتولى تعليمه الدروس والمهارات الحركية كالفن والعزف والرسم والأشغال اليدوية أيضا الحاسب الآلي كنوع من الدعم النفسي والتشجيع وكمحفز للعطاء ودفعهم نحو الحركة والبذل في محراب العلم والتعلم والنهل من مشارب المعرفة بكافة صنوفها.
ختاما: تفضلي ماذا تقولين لفسانيا:
الشكر أولا وأخيرا لك أختي وزميلتي منى أنت بالذات على كل ماتقدمينه لي من دعم منقطع النظير ومن خلالك أتوجه بالتحية والشكر لصحيفة فسانيا على إتاحة هذه الفرصة الثمينة وأتمنى التوفيق والنجاح للجميع.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :