الموت بأسنان ناصعة

الموت بأسنان ناصعة

 وصل الى العيادة  بكامل قيافته ونظارته الطبية وحذائه اللامع، برفقة شاب.

لم يكن يشكو من أسنانه، أبدى فقط اهتماماً شديداً بزراعة الأسنان.

تم شرح كل شيء له.

عرف أنه سوف يتمتع بأسنان نضرة ثابتة، أقرب ما تكون الى أسنان طبيعية، فيما لو حظي بعملية زراعة أسنان.

سأل عن الكلفة فقيل له إن أسنانا كاملة للفك العلوي والسفلي تتكلف زهاء 5 آلاف دينار.

كان المبلغ قريباً مما تتوقعه.

وكان يملك على الأقل ضعف المبلغ.

ووعد بالعودة.

وقد عاد بعد بضعة أيام وألقى مزيداً من الأسئلة، بما في ذلك عن الكلفة فقيل له إنه سوف يتمتع بحسمٍ، بخصمِ ما.

وقد وعد بالعودة.

وعاد بعد أيام.

سأل عن الوقت الذي تستغرقه العملية فأجيب بأنه بضعة أشهر:  7 أو 8 أشهر حسب استجابة اللثة. وكان ذلك في حدود توقعه نظرا لخبرته الطويلة في وضع أسنان اصطناعية، وفق أنظمة غير نظام الزراعة المستحدث نسبياً.

ووعد بالعودة.

وقد عاد بعد أيام. لم يبالِ به الطبيب والفنيون.

فسألهم بإلحاح : هل قمتم بزراعة أسنان لرجل مُسِنّ مثلي؟.

فقيل له إن العملية ليست مقصورة على عمر معين، وهي تبدأ من سن العشرين وبدون سقف أعلى للعمر.

لكني في التسعين.

قال لهم.

فأجابوه : ما شاء الله، ليكن.. لا مشكلة.

وقد وعد بالعودة بعد أيام. وقد تجاهلوا وعده ورغبوا اليه أن لا يكرر قدومه مرة أخرى (صارحوه:  نريد أن نشتغل).

لكنه عاد بعد بضعة أيام ومعه الشاب كما في كل مرة، وهذا حفيده الذي لا يتدخل في مجرى الحديث ويبدو على شيء من الحرج.

ورغب هذه المرة أن يقوموا بزراعة أسنان جديدة له، واشترط أن يدفع المبلغ جزءاً فجزءاً ، بعد إنجاز كل مقطع من الأسنان.

ووفق له على طلبه.

شرعوا في العمل، وسط شروده الدائم، وألمه الدفين غير المتعلق بعملية الزراعة.

بعد نحو سبعة أشهر أنجزوا العمل وسدّد لهم مستحقاتهم، ولم يصدّق أنه بات بأسنان قوية ثابتة يمكنه معها أن يتناول الطعام بيُسر،  ويضحك ملء شدقيه،  وحتى أن يستخدمها للعضّ.

لم يعرف الأطباء ما وقع له بعد مغادرته العيادة لآخر مرة بأسنانه المزروعة الكاملة.

لم يعرفوا أن تردده ليس ناجماً عن بُخل، بل لخشيته أن يدفع مبلغا طائلا ثم يُعاجله الموت، فالورثة ــــ وهو ما لم يقله لمُعالجيه ـــــــ أحقّ بالمال من تركيب أسنان ناصعةٍ سليمةٍ له يذهب بها الى القبر..

وقد ذهب بها بعد أربعة شهور.

 محمود الريماوي*

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :