النَّفق

النَّفق

محمد عبدالرحمن شحاتة

عدتُ صباحًا من إجازتي؛ حيثُ موقعِ التنقيبِ الذي أعملُ فيه، منعزلونَ نحنُ في صحراءَ بعيدة؛ نُنَقِّبُ عن شيءٍ لعينٍ يُسمَّى الفَحم.

تفاجأتُ عندَ عودتي بتوقُّفِ العملِ مؤقَّتًا، لو كانَ لديَّ عِلمٌ مُسبقٌ بذلكَ؛ ما عدتُ الآنَ، لكنّي الآنَ أضعُ حقيبتي في خيمتي؛ متحدِّثًا إلى زميلي الذي يشاركُني الخيمةَ قائلًا:

_ما سببُ تعطُّلِ التنقيبِ؟ إنه أمرٌ يحدثُ للمرَّةِ الأولى!

قالَ زميلي المستلقي في فراشِهِ:

_بالأمسِ فقط؛ شعُرنا بهزَّةٍ قويةٍ في النفقِ المؤدّي إلى المنجم؛ فأوقفَ مسؤولُ الموقعِ العملَ؛ لحينِ التأكّدِ من أن النَّفقَ غيرُ معرَّضٍ للانهيار.

تهيَّأتُ لقضاءِ تلكَ الفترةِ نومًا، استسلمتُ لسريري الضَّيقِ؛ مانحًا إياهُ جسدي؛ ليمتصَّ منه عناءَ الطريق، ثمَّ استيقظتُ؛ فوجدتُ الليلَ قابَ قوسينِ أو أدنى، الخيمةُ مُظلمةٌ والهواءُ باردٌ، وكنتُ لا أرى جيدًا من أثرِ النومِ؛ فاتجهتُ إلى بابِ الخيمةِ المواربِ؛ لأجدَ صديقي جالسًا على كًرسيّهِ محدِّقَا بمدخلِ النفقِ المُظلمِ، قلتُ وقد لاحظتُ أن الموقعَ يخلو من الآخرين:

_لماذا تحدِّقُ بالنفقِ هكذا وأينَ ذهبَ الآخرون؟

أجابني ولم تبرح عيناهُ النفقَ:

_لقد ذهبوا لشراءِ ما يلزمُ احتياجاتهم، أما النفقُ فأمرهُ غريبٌ، كيفَ اهتزَّ هكذا؟

ثمَّ تركني وغادرَ كُرسيَّهُ؛ وهو يسيرُ بخطواتٍ حذرةٍ نحوَ النفقِ؛ وما إن وقفَ أمامه حتّى ظلَّ يحدِّقُ بهِ، ثمَّ رأيتُهُ وهو يتابعُ خطواتهِ؛ كي يبتلعَهُ النفقُ المظلم.

انطلقتُ مسرعًا؛ لألحقَ بذلكَ الغبي، ولم أجد مفرًّا من دخولِ النفقِ؛ ناديتُ بصوتٍ مرتفعٍ كي يجيبَني؛ لكن لم يصلني سوى صدى صوتي، ثمَّ سمعتُ نَبشًا بجانبي، فقلتُ في نفسي:

_ربما فأر؛ الفئرانُ كثيرةٌ هُنا.

تابعتُ السيرَ قليلًا داخلَ النفقِ؛ بينما يصدحُ صوتي باسمه دونَ جدوى، وبينما أسألُ نفسي؛ ماذا يفعلُ ذلكَ الغبيُّ داخلَ النفقِ، ثمَّ سمعتُ نبشًا للمرَّة الثانية من خلفي، فقلتُ:

_الفئرانُ اللعينة!

بقيتُ واقفًا منتظرًا عودته دونَ جدوى، بينما يراودني نَبشٌ بينَ الحينِ والآخرِ، وفي كلِّ مرَّةٍ أردِّدُ في نفسي:

_فأرٌ لعين!

لمّا طغى الليلُ أظلمَ النفقُ تمامًا، أخرجتُ هاتفي، لأُشعلَ إضاءةَ الكشّافِ؛ لكنّي تفاجأتُ بهِ صامتًا، تذكّرتُ أني من فعلتُ ذلكَ؛ كي أستطيعَ النوم، لكن هناكَ إشعارَ رسالةٍ؛ لمّا قمتُ بفتحِها وجدتُها من زميلي الذي يشاركني الخيمة..

“خرجنا جميعًا مع الباصِ الكبير، إذا كنتَ بحاجةٍ لشيء أخبرني حينما تستيقظ؛ كي أحضرَهُ معي!”

من كان يجلسُ أمامَ الخيمةِ إذًا؟

لم أجِد تفسيرًا لذلكَ، لكنٍي أفكِّرُ الآنَ في ذلكَ النبشِ الذي أسمعهُ من حولي، فئرانٌ لعينةٌ تَجدُ حرّيتها في الظلام، وهاهو فأرٌ لعينٌ يصطدمُ بقَدمي، أشعلتُ كشَّافَ الهاتفِ واستدرتُ نحوَ  مدخلِ النَّفقِ؛ لأخرجَ، لكنّي تفاجأتُ أنَّ المدخلَ مغلقٌ، وهاهوَ كشَّافُ الهاتفِ ينطَفِئُ، لقد أفرغتِ البطاريةُ ما تبقّى منها؛ ليبتلِعَني ظلامٌ دامسٌ، ويستشري صوتُ النبشِ من حولي، وقفتُ ألعنٌ الفئرانَ، متسائلًا عن زميلي الذي رأيتُهُ يتسلَّلُ إلى النفقِ؛ وعن رسالته التي يخبرني فيها أنه برفقةِ الآخرينَ بالخارج، وهاهي يَدٌ ساخنةٌ تقبضُ على عُنقي من الخلفِ؛ فأغمضتُ عيني وازدردتُ ريقي، وقلتُ بصوتٍ متقطِّعٍ:

_فأرٌ لعين!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :