باباية ترتدي قمرا

باباية ترتدي قمرا

الشاعر السوداني 

أحمد محمد إبراهيم

لا يُكَلِّفُ الْبَوْحُ الرُّوحَ إلَّا وُسْعَهَا

لَهَا مَا عَشِقَتْ وعَلَيْهَا مَا اْرْتَشَفَتْ
مِنْ كُؤُوسِ الْمُدَامْ!

– قَالَهَا النِّيلُ
وَهُو يَضَعُ عَلَى مَنكبيه مِلْفَحَةً،
ثُمَّ تَأَوّهَ بَينَ الْمَدَائِن.


أَحلِبُ صَوتِيَ ملءَ الفَرَاغِ
مَوَاوِيلَ عِشْقٍ لِهَذَا الّذِي …
أُشَيِّدُ أَلْحَانَ عِطْرٍ جَدِيدٍ
لِسِرٍّ تَوَهَطَ هَذَا النَّشِيدْ،
أَرَى فِيْ الْمَرَايَا انْفِعَالِي
يُغَنِّي مَعَ غَيْمَةٍ مُتْرَفَةٍ:
بَنَيْتُ دَمِيْ مِنْ نَخِيْلٍ، وَبَاَبايَةٍ تَرتَدِيْ قمراً،
كَغُيُومٍ تَشْتَهِي وَجْهَكِ الْسّرمَدِي.
وَسَلَكْتُ أُغْنِيَةً كَيْ أَعُوُدَ إِلَيْكِ،
تَرجّلْتُ مِنْ غُربَتِي أَشْعَثَاً
يَحتَوِيِنِي الغُبَارُ كَبَيْتٍ قَدِيِمٍ
إِتَكَأْتُ قَلِيلَاً عَلَى الْسُّلَّمِ الْخَامِسِ فِيْ بَهَاءِ الْمُوسِيقَى
رَشَفْتُ نَغَمَاً بِجَاوِيَّاً،

أَعَانَتْنِيْ رَبَابَةٌ عَلَى الْنُّهُوُض.
شَجَرُ الْدُّوم يَرَقُصُ (الْهَمْبُوي)*،

رَائِحَةُ الْبُّنِ تَرسُمُ لَونكِ الْقَمَريَّ،
والْزَّنْجَبِيلُ يَخْطُبُ وُدِيَ فَلْنَكُنْ أَصْدِقَاءَ هُنَا وَفي بَيْتِ الْخُلُود.
إِلْتَفَتُ إِلَى شَمَالِ رُوحِي

وفِي الْبَهْوِ كَرْمَه*

تَضَعُ خَدَّهَا عَلَى النِّيلِ،
تـُرَاقِبُ طِفَلَهَا الَّذِي يَرْكْضُ خَلْفَ الْبَقَر،

أَلْقَيْتُ الْسَّلَامَ عَلَى نَخْلَةٍ تُهَيّءُ نَفْسَهَا لِلّقَاحِ،
حَاصَرَنِي بَعَانْخِي بِالْأَسْئِلَةِ: عَنْ نُوبِيّةٍ
تَخْتَفِي بَيْنِي وَتَظْهَرُ شَامَةً عَلَى خَدِّ رُوحِي،

عَنْ عُمَالِ الْكَمَائِنِ* ، وَبَائِعَةِ
الْكِسْرَةِ* الْتِي تَجْلِسُ أَمَامَ دُكَانَ قَلْبِي.

بَكَى النِّيلُ مِلْءَ ضِفَتَيْهِ، وَحَدّثَهُ عَنْ
شَجَرَةٍ تَتَحَنّثُ فِيْ دَمِي
تَحْنُو عَلَى الْعَابِرِينَ بِظِلٍ وَرِيفٍ
تَفْرُشُ أَغْصَانَهَا لِكُلِّ الْطُيُور
تَحْضُنُ زِيرَاً يُرَتِّلُ مَاءً زُلَالَاً
يُبَلِّلُ رِيقَ الْبَنَاتِ الْيَلِدْنَ الْعَذَابْ
… وَبَاِئعَةُ شَايٍ
تُلمِّع كُوبَ الْحَنِينْ
تُنَعْنِعُ فَوضَى الْحَوَاسْ
تَذْكُرُ عِشْقَاً لَهَا صَادَرَتْهُ الْحُرُوبْ
وَكَمْ يَتَبَّقَّى لِهَذَا الْرَّضِيِعِ
لِيَدْفَعَ عَنْهَا فُضُولَ الْرِّجَالْ!!؟؟
أَجْهَشَ بَعَانْخِي بِالْبُكَاءِ، وَعَانَقَ الْنِّيلَ طَوِيلَاً:
لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى نِيَةٍ بَيْضَاءَ، وَحُبٍ نَبِيل،
لِمَاذَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ حُلُمَ أَخَيهِ ويَتَحَسَسُ بَيْنَهُ غُرَابُ الْخَطِيْئَة!!؟


الهمبوي : رقصة لقبيلة الهدندوه بشرق السودان

كرمة : مملكة كرمه 2400 ق م في شمال السودان

الكمائن : مصطلح يطلق على مجمع الطوب الفخاري عندما يتم حرقه بالنار

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :