إعداد: أبوبكر مصطفى خليفة
المخدرات بأنواعها وأشكالها وطرق مكافحة تعاطيها والاتجار بها تشكل بصفة عامة هاجساً يؤرق الافراد والأسر وحكومات الدول في العالم كله، بنسب متفاوتة، فهي في الغالب مصدر مهم ومربح وسريع لكسب المال، وجلب السعادة لمن يتاجر بها، وهي في ذات الوقت مصدر سعادة زائفة قصيرة المدى، ومصدر افتقار ومرض وهم وغم لمتعاطيها و قد ارتبط أسم عددا من مدن العالم ودوله بالمخدرات بشكل أو بأخر، سواء كونها مصدراً مهما لإنتاجها كما في أفغانستان، أو مكان لترويجها والإتجار بها كما في كولومبيا وغيرها .. هذا التقرير يعرض في جزئين ظاهرة تفشى المخدرات في البلاد الليبية، ويدق جرس الإنذار بقوة في وجه من تهمه ليبيا أفراد ومؤسسات وحكومات نائمة وغافلة عن حدود مخترقة (ومهتوكه) لمن هب ودب، وسلاح ليبي مهرب ومسروق وصل لأدغال افريقيا واسيا، حكومات هزيلة تغض النظر عن مليارات منهوبة من بيت المال الليبي تم تهريبها لتعود في أكياس تحمل السم الهاري وتفتك بشباب وأطفال الوطن دون أن يشعر من يتولى أمر البلاد بخطورة ما يحدث .. صحيفة فسانيا من خلال هذا التقرير تفتح ملف ظاهرة تفشي المخدرات في ليبيا وترصدها بين الواقع وسبل المواجهة .. ففي الجزء الأول من هذا التقرير نستعرض مدى انتشار هذه الظاهرة في المنطقة العربية ونعرض لبعض السياسات التي أتخدها المجتمع الدولي من أجل مكافحتها، ثم نعرض للحالة الليبية بشكل أكثر تفصيل فتابعوا …
حبوب مخدرة في المنطقة العربية
في يوم 25-6-2016م الذي يوافق انعقاد اليوم العالمي لمكافحة المخدرات قال الدكتور محمد بن علي كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الخامس موجها حديثه لوسائل الاعلام العربية والعالمية أن “المنطقة العربية تشهد رغم ما تمتلكه مجتمعاتنا من قيم ومبادئ دينية سامية وأخلاق حميدة انتشارا غير معهود للحبوب المخدرة والمخدرات الاصطناعية ” و طالب بن علي كومان المجتمع الدولي كله بأن يبادر بشكل مستعجل ” بإتخاد سياسات مكافحة تشمل خفض العرض والطلب على المخدرات وتضمن تعزيز نظم العدالة الجنائية وتفكيك الشبكات الإجرامية الضالعة في هذه التجارة غير المشروعة وتشديد الرقابة على الأدوية التي يتم تداولها في المنطقة” كما أشاد كومان بأجهزة مكافحة المخدرات في المنطقة العربية على جهودها في مكافحة المخدرات مشيرا الى ان الدور الاكبر في مكافحة هذه الافة تعود مسؤوليته للأسرة ومؤسسات المجتمع المدني بكل دولة “. وأكد كومان “على إن آفة المخدرات ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلد دون آخر أو منطقة دون غيرها بل هي جريمة عابرة للحدود تنفذها عصابات منظمة تستهدف كافة المجتمعات” .
الحالة الليبية ليست استثناء
شكل تفشي المخدرات في المجتمع الليبي ظاهرة خطيرة جدا، أنهكت البلاد والعباد بالإضافة الي بروز ظواهر الفساد المالي وتجارة السلاح، التي زادت من تعقد وصعوبة مكافحتها الى جانب الحدود المفتوحة على مصرعيها بلا حسيب ولا رقيب والتي لازالت تشكل تهديداً حقيقيا وخطيراً لاستقرار الدولة الليبية ،فالمخدرات تقود للجريمة المنظمة، وخاصة في غياب منظومة عد موثوق بها، ترصد مدى انتشار هذه الظاهرة وتقدم أرقاما عنها لجهات الاختصاص الدولية والمحلية، فقد دكرت شبكة النبأ عبر موقعها الالكتروني يوم الحادي والثلاثين من شهر مايو 2008 ان ليبيا لم تقدم إحصاءات عن المخدرات لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات ومنع الجريمة منذ عام 1994 ويبدو ان حالة عدم الاستقرار الامني التي تعيشها ليبيا قد القت بظلالها على زيادة تفشي تجارة المخدرات في ليبيا فقد ذكرت صحيفة الخبر الجزائرية يوم 28من شهر مايو 2016 انه بدأت يوم السادس والعشرين من شهر مايو الماضي أمام مجلس قضاء الجزائر العاصمة، محاكمة بارون المخدرات (فتحي.ح)، الذي سبق وتمت ملاحقته على خلفية اتهامه رفقة آخرين بمحاولة تهريب ما يفوق 40 قنطارًا (القنطار يعادل 50 كيلو غراما) من المخدر المعالج إلى ليبيا، مستغلًا حالة التدهور الأمني في هذا البلد لتمرير تلك العملية .. عن جناية القيام بطريقة غير مشروعة بحيازة المخدرات وشرائها بقصد البيع، ونقلها من طرف جماعة إجرامية منظمة، والتقليد والتزوير في وثائق إدارية، والتهريب المهدد للاقتصاد الوطني والصحة العمومية وحسب القضاء الجزائري، فإن أهم ملف سيكون حاضرًا هو تهريب 40 قنطارًا من المخدرات إلى ليبيا عبر الشريط الحدودي، التي وقف وراءها “بارون المخدرات”، و ألقي القبض على المتهم في إطار عمليات البحث والتحري، التي قامت بها قوات الأمن الجزائرية، عن نشاط شبكة إقليمية لنقل المخدرات من التراب المغربي إلى ليبيا عبر الجزائر منذ ثلاث سنوات، وينتمي أفراد تلك الشبكة إلى منطقة حدودية بين الجزائر وليبيا، ولهم سوابق وصدرت ضدهم قرارات من محاكم ليبية وتونسية، في مخالفات تتعلق بتهريب الذهب الإيطالي، وبموجبه تم إحباط أكبر عملية كانت موجهة إلى ليبيا وحجز ما يفوق 40 قنطارًا من “الكيف المعالج”، تفوق قيمتها نحو 1.6 مليون دولار.
ليبيا معبرا لتجارة المخدرات
وبسبب موقع ليبيا المكاني، الذي جعلها تمتلك إمكانية كبيرة لتكون معبرا لتجارة المخدرات، خاصة المخدرات المتجهة إلى مصر. ولا توجد معلومات كافية عن موقف تعاطي المخدرات فيها. وتشير المعلومات التي قدمتها الحكومة الليبية لندوة تخفيض الطلب لشمال أفريقيا والتي عقدت في تونس عام 1996 إلى وجود نسبة متوسطة من متعاطي الحشيش والهيروين وعقاقير الوصفات المحولة. ووفقا لهذا المصدر فإن أكثر المناطق التي يتفشى بها تعاطي المخدرات هي المناطق المدنية، كما أن المرافق العلاجية محدودة وفقيرة للغاية وان ارتفاع ظاهرة الإدمان على المخدرات في ليبيا صورة تعبيرية لتجارة المخدرات التي هي في متناول الجميع أثرياء وفقراء فجرعة من عقاقير الهلوسة أو مسكن الألم “ترامادول” تكلف حوالي دينار ليبي، بينما تصل كلفة قطعة صغيرة من الحشيش 10 دينار ليبي، وهذا المتدني يجعلها في متناول الجميع.
تركيا تضبط 13 طن مخدرات في ميناء طبرق
خلال الفترة القليلة الماضية نفذت قوات الأمن التركية عملية مدعومة جوياً ضد سفينة تحمل العلم البوليفي، وعلى متنها مواد مخدرة في المياه الدولية، شمالي شرقي ميناء طبرق الليبي يوم السادس من شهر يناير الماضي ضبطت خلالها 13 طنا من المواد المخدرة و قالت مصادر في وزارة الداخلية التركية، إن رئاسة دائرة مكافحة المخدرات التابعة لمديرية الأمن العام تواصلت مع قيادة خفر السواحل بعد تلقيها معلومات حول قيام سفينة في المياه الدولية تحمل العلم البوليفي بتهريب مواد مخدرة، مشيراً إلى أن خفر السواحل حدد مكان السفينة في الثالث من يناير وبدأ بتعقبها مستعيناً بطائرة وسفينة.
وسُمح لقوات الأمن التركية بتنفيذ العملية بعد الحصول على موافقة وزارة الداخلية التركية، وتخويل من وزارة الخارجية، وبالتعاون مع الحكومة البوليفية، وذلك في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، بحسب المصادر.
ولفتت المصادر إلى أن فرق خفر السواحل التركية شنت العملية، ضد السفينة البوليفية في المياه الدولية شمال شرقي ميناء طبرق الليبي، بعد الحصول على الموافقة، مضيفةً أنه تم ضبط 13 طناً من المخدرات في المرحلة الأولى من العملية، وأن تفتيش السفينة لا يزال متواصلًا.
في غضون ذلك، أوضح مسؤولون في وزارة الداخلية أن العملية المذكورة تعد أول عملية تنفذها تركيا في المياه الدولية، مشيرين إلى أن كمية المخدرات التي ضُبطت في السفينة والمقدرة بـ 13 طنا بداية، تعد أكبر كمية تضبط دفعة واحدة حتى اليوم.
مخدرات وداعش وجهان لعملة واحدة
هدا وكشف تقرير غربي جديد نشرته وكالة اي ار سي الكردية يوم الثلاتين من شهر ابريل الماضي، أن تنظيم الدولة الإسلامية متورط في عمليات تهريب ‹المخدرات› إلى أوروبا، مؤكداً وجود أدلة على تعاون ‹داعش› مع عصابات المافيا لتهريب المخدرات.
ونقلت صحيفة ‹ديلي تلغراف›، في تقرير لها مؤخراً، عن رئيس وحدة مكافحة الإرهاب والمافيا في إيطاليا، فرانكو روبرتو، قوله إن «التحقيقات أظهرت وجود دلائل قوية على تعاون وتجارة مشتركة بين داعش وعصابات المافيا»، مشيرةً إلى أن «قادة التنظيم يجنون ملايين الدولارات نظير المساعدة التي يقدمونها لعمليات تهريب المخدرات والحشيش إلى أوروبا.
وبحسب التقرير فإن الشرطة الإيطالية وجدت أدلة على أن مقاتلي ‹داعش› في ليبيا عملوا مع مهربي ‹مخدرات› يستهدفون الوصول إلى أوروبا وقاموا بتقديم الخدمات اللازمة لهم من أجل المرور في الطرق المؤدية من شمال إفريقيا إلى أوروبا.
تظهر تحقيقات أجرتها الشرطة الإيطالية أن عصابات ‹المافيا› اضطرت لإبرام اتفاق مع عناصر ‹داعش› من أجل المرور بمناطق يسيطرون عليها، وتحديداً في مدينة سرت التي يسود الاعتقاد أن التنظيم يسيطر على موانئها وسواحلها، وفق ما ذكرته الصحيفة ..
المخدرات تدعم الإرهاب في ليبيا
وأعلنت السلطات الأمنية في جزيرة سردينيا الإيطالية يوم السادس عشر من شهر اكتوبر 2015، أنها ضبطت سفينة تجارية تحمل شحنة ضخمة من المخدرات كانت متجهة إلى أحد الموانئ الليبية.
ونقل التلفزيون الإيطالي الرسمي، عن مسؤول جهاز حرس المالية ، خلال مؤتمر صحفي، أن السفينة “جوبيتر” التي ترفع علم جزر كوك ، كانت تحمل عشرين طنا ونصف طن من الحشيش، بقيمة سوقية تبلغ نحو 200 مليون يورو.
وأوضحت السلطات أن السفينة القادمة من إسبانيا وجميع أفراد طاقمها من السوريين، والتي كانت متجهة إلى ليبيا، قد أوقفت للتفتيش لدى مرورها عبر ميناء كالياري قبل 20 يوما، بناء على إشارات وردت من عدة أجهزة أمنية أوروبية، مشيرا إلى أن القبطان وكافة العاملين على متنها هم قيد الاعتقال.
وحسب المسؤول الأمني الإيطالي، فإن التحقيقات لا تستبعد أن تكون شحنة المخدرات موجهة لتمويل أنشطة متصلة بالإرهاب في ليبيا
*يُنشر في إطار الشراكة مع فسانيا. موقع هنا صوتك