حين يصبح العار خبزنا اليومي.. ونَـــجـــوع

حين يصبح العار خبزنا اليومي.. ونَـــجـــوع

  • محمد بعيو

أليس عاراً ما بعده عار أن تضع منظمة الأغذية والزراعة الدولية [الـفـاو]، لــيـبـيــا ضمن الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وأن نحو 1.3 مليون شخص أي نحو 20% من سكانها يحتاجون وبشكل كبير إلى مساعدات إنسانية، من بينهم 700 ألف إنسان يحتاجون إلى المساعدة الغذائية العاجلة ليبقوا على قيد الحياة.وقالت [الـفـاو] في تقريرها نصف السنوي الصادر أمس الجمعة أن لــيـبـيــا تواجه ما أطلقت عليه المنظمة {حالة انعدام أمن غذائي شديد ومتمركز}، ضمن 45 دولة من بينها 8 دول عربية، تعاني من الصراعات المسلحة، ومن فقر الموارد، هي العراق والسودان والصومال وسوريا واليمن ولبنان وموريتانيا، وهي باستثناء العراق الدولة النفطية مثل لــيـبـيــا، دول تفتقر أصلاً إلى مصدر ثابت للدخل، ولا تتوفر على سلع تصديرية تجلب إليها العملات الصعبة اللازمة لتغطية ثمن استيراد الغذاء، وتفتقر جميع هذه الدول المنهارة إلى حكومات رشيدة، واستقرار مجتمعي، واقتصاد فاعل، حيث أن بعضها كالسودان والعراق وسوريا بلدان نهرية بها أراضٍ خصبة يمكنها ليس فقط الاكتفاء الذاتي من الغذاء بل تصديره والحصول على عوائد………………………..أنا في هذه الكتابة لست في مقام المقارنة بين دولتنا المعطوبة وبين تلك الدول المنكوبة، ولا في معرض البحث عن تبريرات ولا تفسيرات لهذا العار الذي لن يزول وجوده وتزول آثاره إلاّ بزوال أسبابه ومسببيه، لكنني أصرخ وأرجو أن لا أكون كالذي يصرخ في وادٍ تتردد فيه أصداء الصراخ ولا يسمعه أحــد:-أيها الليبيون أنتم لا تجوعون لأن المطر لم ينزل، ولا لأن الله لم يرزق بلادكم الأموال والثروات التي لا تتنزل بها أفياء السماء بل تخرج من جوف الأرض في فيافي البيداء، فرزقكم بفضل الله وفير، ومالكم من فضله كثير، تزدحم به خزائن مصرفكم المركزي ومصارفكم الخارجية والمحلية، واستثماراتكم الدينارية في الداخل والدولارية في الخارج، ورغم ذلك أنتم بائسون فقراء تكادون تجوعون وتعرون، تنتظرون على خوف ولهفة مساعدات صناديق الأمم المتحدة ومنظماتها اليونيسيف والفاو، وإذا كان خُمس تعدادكم اليوم يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية الخارجية المصحوبة بالهوان والامتهان، فلن تمضي سوى سنوات قليلة إذا دام الحال، وهو لاشك سيدوم إذا بقيتم كما أنتم وحيث أنتم خانعين مستسلمين أذلاّء صامتين، تُساقون إلى الموت وأنتم تنظرون، إلاّ ويصبح كل الليبيين مُعدمين ينتظرون قوافل الإغاثة الخارجية التي قد تأتي ولا تأتي.هل تعلمون أيها الليبيون الصامتون، أن بلادكم من بين بلدان قليلة في العالم لا تعاني من مشكلة المديونية الخارجية، التي تُثقل بأعباء أقساطها وفوائدها الربوية القاسية، كاهل شعوب كثيرة بعضها حولكم وبجواركم، وأن احتياطياتكم المصرفية وموجوداتكم الإستثمارية تفوق الـ 100 مليار دولار والـ 150 مليار دينار، وأن دخلكم السنوي من النفط والغاز يفوق في أقل التقديرات الـ 20 مليار دولار، وأنكم أيها الليبيون بهذه الثروات والمداخيل الحقيقية، وبتعدادكم الذي لا يتجاوز السبعة ملايين إنسان تستطيعون ليس فقط العيش بكرامة واكتفاء ورخاء، بل وأن تساعدوا شعوباً أخرى فقيرة لها عليكم حق الأُخوّة وواجب الجيرة.إن ما يتم إنفاقه بل سرقته كل يوم من أموالكم ومقدراتكم يفوق ما تحتاجونه كل يوم للغذاء والكساء والدواء والبناء، ومن يسرقونكم وينهبونكم ليسوا غرباء أتوا من وراء البحر أو من خلف الحدود أو نزلوا من الفضاء، بل هُم منكم وفيكم وينتمون إليكم، صحيحٌ أنهم في تعدادهم قلة لا تتجاوز عدداً بِضعة آلاف، ولا يتجاوز الفاعلون فيها والفاعلون فيكم وبكم بضع مئات، لكنهم أقوى منكم وأقدر، لأنهم متفقون وأنتم متخالفون، ولأنهم أقوياء بالسلاح وأنتم ضعفاء بالإستسلام، ولأنهم متوحدون عليكم وأنتم متفرقون متشرذمون، ولأنهم متحالفون مع الخارج المتداعي عليكم، وأنتم مزقتم أحلافكم الوطنية وقطّعتم أرحامكم.فمتى تستعيدون زمام أمركم وأمر وطنكم، لا لتصبحوا فيه السادة الحاكمين {فذلك حلم قد لا يُنال ولا يُطال إلاّ بعد عشرات السنين، هذا إذا بدأتم اليوم مسار التغيير من أنفسكم ولا يبدو أنكم ستبدأون}، ولكن لكي لا تموتوا جوعاً للطعام وللغذاء، بعد أن شبعتم من الوعود الجوفاء وتم تجويعكم عمداً ليس للغذاء فقط بل قبله وبعده للكرامة وللكبرياء.أُعذروني فأنا واحدٌ منكم لا أُزايد عليكم، لم أجُع بعد للغذاء، لكنني جائع للكبرياء، وخائنٌ مثل كل مثقفي ونُخب هذا الوطن لناموس الوجود الكريم، ومستسلمٌ لقوانين البقاء الجوفاء.. فتعساً لهذا البقاء ولا نامت أعين الجبناء

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :