حِيهْ مَا عَطِيتَه الْحَبٌة !

حِيهْ مَا عَطِيتَه الْحَبٌة !

قصة صحفية :: حواء عمر 

حي ما عطيتيه الحبة ” لعل هذه الكلمات كانت الأشد غرابة عند حديثي مع بطلة القصة أسماء التي امتلأت عيناها بالدموع وهي تروي بمرارة تفاصيل حكاية أخرى مخفية على الأنظار ومسكوت عنها في مجتمعنا المحافظ ظاهريا . أسماء الترهوني ابنة التاسعة والعشرين ربيعا ، تقطن في حي المنشية بمدينة سبها الواقعة جنوب لبيبا و التي تبعد حوالي 700 كيلو مترا عن العاصمة طرابلس . ترعرعت أسماء وسط عائلة متواضعة تكثر فيها الفتيات عن الصبيان لكنها وخلافا عن كل العائلات الليبية لم تشعر بأنها وأخواتها عبء على والدها الرجل العطوف بل و كانت المدللة عنده لكونها المطيعة الودودة من بين أخواتها . تقول كانت ابتسامتي لا تفارق وجهي فأنا محبة للحياة كثيرا , ولكن لا أحد يضمن السعادة الدائمة فدوام الحال من المحال.” لم أكن أتوقع أن أعيش هذه المأساة أبدا ” وبدأت تسرد حكايتها فتغيرت كل ملامحها دفعة واحدة وكأنها استبدلت محياه بوجه كئيب حزين ، شردت للحظات ساهمة النظرات ،وبدأت تفرك يديها واحدة بالأخرى ، ثم التفتت إليٌ فجأة وقالت : “كدت أطير من الفرح” عندما تقدمت أسرة زوجي لطلب يدي ,وما زاد بهجتي أنه كان وسيما جدا في الصورة التي أحضرتها لي أسرته لرؤيتها وفق كل الزيجات التقليدية في المدينة ، وهو أيضا ابن عائلة محترمة وذات سمعة طيبة حسب ما سمعنا عنهم . أوضحت ” تولى أخي مهمة التقصي والسؤال عن العريس ، وبمرور أيام قليلة تحصل خلالها على معلومات لا بأس بها عن أسرة العريس , وفي غضون أشهر تم التجهيز للزفاف وتحديد موعده ، فبالرغم من أن أمي طلبت منهم أن يمهلونا فترة أطول ، إلا أنهم أصروا على أن يتم الزفاف بأقصى سرعة ، واحتجوا بأن العريس هو الابن الكبير ، للعائلة ووالده المريض يتمنى أن يفرح به ويحضر زفافه قبل أن يفارق الحياة . أضافت ” تلك الحجه استخدموها من أجل إقناعي بتعجيل الزفاف ، ووافقت حينها ، وعندما طلبت أن أراه وافق على طلبي بعد محاولات كثيرة مني فعندما تقابلنا كان قليل الكلام ولم نمضي حتى نصف ساعة معاً غادر فعللت الأمر بكونه خجولا ولا ضير في ذلك . ‏

استرسلت أسماء : ” حدد موعد عقد قراني في الثالث من أكتوبر سنة 2015 ربيع الثاني وانتقلت إلى بيتي بعد يومين ، في تلك اللحظات قلت لنفسي ” أخيرا سأتربع على عرش الملكات ” وكانت السعادة تغمرني عندما وصل الموكب ليزفني إلى منزلي ، وصل زوجي مع الموكب وكانت السعادة ترتسم على وجوه الجميع إلا هو لم تظهر السعادة والفرحة على ملامحه ، لم أرَ في عينية فرحة العريس بليلة زفافه ، صدمت في البداية ، ولكني بدأت أطمئن نفسي ، بأنه ربما كان يشعر ببعض الخجل ، خاصة أنه يبدو شخصا خجولا و تقليديا جدا. أنا لست شاة لكي تذبحني ” تحدثت” أسماء عن ليلة زفافها بألم وحسرة فارتسمت على وجهها الجميل ، علامات الارتباك و الخوف بدأت ترتعش وهي تصف هول تلك اللحظات ، وفي عمق ذاك الحديث غضبت حتى قطبت حاجبيها ، وكأنها تستحضر تلك اللحظة وتعيشها من جديد،: كانت ليلة بعيدة جدا عن توقعاتي بعيدة كل البعد عن تلك الأحلام و الأفكار التي رسمتها في مخيلتي كانت أشبه بكابوس ، زوجي الذي كان من المفترض أن يتودد إليٌ ويعاملني بكل لطف ، هجم عليٌ منذ الوهلة الأولى لم يكن طبيعيا أبدا ، وكان قويا كوحش انقضٌ على فريسته ، ومن شدة صدمتي صرخت في وجهه ” أنا لست شاة لكي تذبحني ” ، وهو كأنه لا يسمعني فلم توقفه صرخاتي و لا توسلاتي إلا عندما سمع أصوات الزغاريد و الرصاص بالخارج حينها فقط قررا أن يبتعد عني .

قالت ” انتهى في تلك الليلة حلم العروس التي ستتربع على عرش الملكة ، بدموع جرفت معها خطوط الكحل ولمسات الماكياج الملكي الأسطوري وقبلها أصغر تفاصيل أحلامي و أشارت ” غادر زوجي الغرفة بسرعة لم أستطع النوم في تلك الليلة من شدة الصدمة والوجع والانكسار الروحي . وأضافت : لم يكن دوري مجرد زوجة أخ فقط ؟ بل كنت الكنة النبيلة”, هكذا أردت لنفسي فربٌما يمكنٌني ذلك من ترميم ما تهشم من روحي حيث بذلت أقصى جهدي في التعامل مع عائلة زوجي تعاملا راقيا ، وفهم كل متطلباتهم ومشاركتهم في كل شيء , حتى أصبحت جزءًا من العائلة في وقت قياسي جدا ، ولكنني دائما ما كنت أشعر أن هناك شيئا يخفونه عني فتصرفاتهم كانت مريبة بعض الشيء ، فكانوا في أغلب الأحيان في حضوري يجلسون في إحدى الغرف و يغلقون الباب ، وكأنهم لا يريدون مني سماعهم ، و أسأل نفسي ما الذي يحدث خلف الكواليس يا تري ؟ .

أما بالنسبة لزوجي فقد تعمدت تناسي كل ما حدث لي بشأن تلك الليلة وبدأت من جديد أحاول بأقصى جهدي صنع حياة سعيدة مع معه فهو سيكون أبا لأطفالي يوما ما ، لكن تصرفاته الغريبة كانت تحمل علاقاتنا إلى مصير مجهول.

فقد كان كثير الشرود، قليل الكلام ،عليل المنظر، سريع الغضب كنت دائمة القلق لا أستطيع النوم أبدا ، كان يتصرف كالمجانين أو المسحورين ،كان يقضي الليل في الحمام يتحدث إلى نفسه ، وأنا أتساءل مع من يتحدث في هذا الوقت وهو لا يحمل الهاتف ، يخرج من الحمام ويدخل المطبخ ويقوم بوضع الأواني على الأرض و من ثم يأتي إليٌ وهو تارة يغني ، وتارة أخرى يقرأ القرآن, وبعدها يذهب إلى الشرفة و يؤذن , تلك الأشياء لم أستطع تفسيرها ,وعندما أدخل الحمام أجد أشياء غريبة مثل الصرصار في النوافذ وكل أغراضي الخاصة ومستحضرات الاستحمام على الأرض. وأتذكر حينها أني وجدت فتحة لتسريب الماء” وردة الحمام” مفتوحة وعندما سألته عنها لماذا فتحتها يا (علي ) ,صرخ بعنف و قال سوف أكسر رقبتك إذا أغلقتها .

تقول: اعتقدت حينها أنه ملبوس و خطر على بالي بأنه يتحدث إلى الشياطين .

بقي على هذه الحال لمدة أسبوعين ، ولم ألحظ أي اهتمام من أسرته وكأنهم اعتادوا على هذه الحال من قبل إلا أخته الكبرى، هي الوحيدة التي كان تتابع حالته معي وحتى أنها تأتي كل مساء عندما تصبح حالته سيئة للغاية وتحضر معها حبة وتعطيها له ، وذات مرة سألتها ما هذه الحبة ؟ أجابت بتوتر إنها حبوب لفتح الشهية لتساعده على الأكل ، وكنت ألحظ أنه إذا تناول الحبة ينام لساعات طويلة ، كانت هذه الحبة تثير فضولي جدا. مر الشهر الأول على هذه الحال ،فقد ربطت مصيري بزوجي فلا أستطيع الخروج ولا الدخول ولا حتى الاستقرار النفسي ، خيمت الأفكار السلبية والقلق على رأسي بدأت أفسر وأحلل كل الأحداث التي حلت بي . بعد مرور أكثر من شهرين جاءتني “عمتي ” أم زوجي وقالت لي “كان عندك قصاصة أظافر وحاجة حادة ضميها أكويس ” كانت جادة جدا في تحذيرها وكأنها تحذرني من سوء قد يحل بي وأنا في غفلة من أمري .

وفي اليوم التالي استيقظ زوجي في الخامسة صباحا وهو في حالة يرثى لها وبدأ يحطم ويكسر كل شيء ويصرخ ويجري وكأنه مختلٌ عقليا “استيقظت مذعورة على هذا المشهد المريع “;كنت مصدومة مما يحدث ، أتذكر حينها بأني ركضت إلى الطابق السفلي و كنت أصرخ سالمة سالمة” حماتي أخته الكبرى “، أجابت ما بك قلت لها تعالي انظري إلى أخيك لا أدري ماذا حل به, سحبتها إلى الطابق العلوي ، وحينما رأت أخاها قالت “حي نسيت ما عطيته الحبة ….. في تلك اللحظة ومض شيء ما برأسي لفت انتباهي تعبيرها فقلت لها أي حبة تقصدين” فتح الشهية” ، لم تجبني وركضت لتجلبها له وحينها خطرت في ذهني تساؤلات عديدة ، الحبة وماذا ستفعل حبة فتح شهية برجل يصرخ, ويدمر ويحطم كل شيء؟ لم يستوعب عقلي أن حبة فتح الشهية يمكن أن تكون الحل ، وعندما عادت أخت زوجي صحبة ( الحبة ) زاد صراخ زوجي عليها ، وكان واضحا أنه يبغضها كانت عبارته جدا جارحة لها ، ولكن لا محالة أخذ الحبة وسقط على السرير نائما كالعادة ,,,ولم ألحظ أنه أكل أبدا بعد هذه الحبة. وفي المساء قالت لي عمتي” أم زوجي” أنت لا تستطيعي أن تري زوجك في هذه الحالة لذا عليك أن تزوري أهلك ولا تخبريهم بما حدث فللبيوت أسرار يا ابنتي . تقول أسماء بحزن : أيقنت حينها وتأكدت أنه مريض ومختل عقليا ، وبعد مرور شهر تحديدا بين ذهاب وإياب بين بيتي وبيت أهلي ازدادت حالته سوءا وقاموا بوضعه في ملحق بيت أهله وفي آخر زيارة لي قبل أن أطلب الطلاق طلبت أن أراه وعندما دخلت إليه رأيته يقفز ويجري يضرب والديه ، حينها عرفت أني خدعت برجل مريض و مدمن ، و أيقنت أنه لا مكان لي في ذاك المنزل بعد هذا اليوم.

معلومات بعد طلاقي: تؤكد أسماء كان لي البحث عن الحقيقة بعد عودتي لبيت أهلي فبدأت وأهلي بسؤال كل من يعرف زوجي وأسرته حتى أخبرنا جارنا ص عنه قائلا فقط لو سألتموني لأنني أعرفه جيدا لقد كان يتعاطى المخدرات منذ صغره منذ أن كان عمره أثنا عشرة عاما ،وكان غريب الأطوار إذ كان يرتدي ملابس الصيف في الشتاء ،وملابس الشتاء في الصيف إضافة إلى أنه مختل عقليا، وختم كلامه ” لا أعلم كيف قبلتم به زوجا لابنتكم” وتستأنف أسماء حديثها قائلة وكلت وعائلتي محاميا لإتمام إجراءات الطلاق ، وقال لي المحامي ( ناجح عبدالله فرج بركة ) بأن زوجي السابق “لديه سوابق وكان سيسجن قبل عامين من زواجه منك ،أكملت أسماء حديثها بحسرة وبنبرة حزينة قال لي المحامي أيضا ستأخذين كافة حقوقك ، طلقت بعد 7 أشهر طلاقا غيابيا ولكني حتى هذه اللحظة لم أتحصل على كافة حقوقي . هناك حقوق أخرى نفسية ومعنوية فقد تم استغفالي من قبل أسرة طليقي وهذا حرام وبنات الناس مش لعبة حسبي الله نعم الوكيل، الحق اللي ما يأخذه ربي متروك” هكذا أنهت أسماء قصتها الحزينة معنا مردداة لازلت أثق في عدالة السماء وفي إنصاف الخالق جل في علاه لي .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :