غواية الأشكال الأدبية والضحك حتى البكاء في  (الحمار خانة)

غواية الأشكال الأدبية والضحك حتى البكاء في  (الحمار خانة)

تأليف د.أحمد فنديس

بقلم: الشاعرة شريفة السيد 

حيَّرني جنسها الأدبي فأسميتها مسرحية، لآنها تجمع بين القص والسرد والشعر المنبري الجماهيري والدراما التليفزيونية وشيء من المسرح، وإن لم تتوفر أدواته. فالمكان واحد (داخل العربخانة)، والأبطال لا يغيرون الملابس ولا الديكور.  

الحمارخانة ” ملهاة مبكية ومأساة مضحكة. كوميديا سوداء حزينة لا تدرى معها إن كنت تبكي على نفسك أم على الآخرين.

الشكل العام للعمل: 

  نص غير تقليدي، عميق رغم المباشرة, يكسر أساليب الحكي المعتاد، خارج وداخل العربخانة. حيث جعل المؤلف أبطاله كلهم من الحمير ومسرحهم/العربخانة، ويقرر(المعلم حُكشة) أن يحولها إلى مَضيَفة كمَبيت لحمير المنطقة، بعد أن باع حِمارَيْهِ الصغير والكبير، حين وصل سن التقاعد من مهنته/جمع القمامة.   ‏

  هذا الشكل يتماس مع قصص التراث كـ(كليلة ودمنة) ومؤلفها بيدبا الفيلسوف الذي استنطق الحيوانات، ولكن (فنديس) استنطق نوعًا واحدًا من الحيوانات وهو الحمير، وجعلهم أصحاب موقف من بني البشر وتصرفاتهم وسلوكياتهم.

  ‏ وبلا مقدمات شرَّف المبيت هذا خمسة حمير/الأبطال 

  وأعطى الكاتب لكل واحد منهم صفة ولقبا بحسب وظيفته:   ‏

فالأول (قدرة) يجر عربة الفول

والثانى (خميرة) يجر عربة الخبز

والثالث (زغلول) يجر عربة الفاكهة

والرابع (زبلول) يجر عربة القمامة

والخامس (زجلول) يجر عربة مياه الصرف الصحي

  وجعل الكاتب (زجلول) شاعرًا زجالاً يعبّر شعرًا وجعله يختار أسماء بقية الحمير، بدلا من الأرقام التى اقترحها أحدهم ووافق الجميع للدلالة على أن كلمة المثقف أو الشاعر مسموعة في عالم الحمير وإن كانت غير مسموعة في عالم البشر.  

  تبدأ الليلة الأولى بينهم بالتعارف، وفي الليلة الثانية بعد العودة من العمل بدأوا يرفهون عن أنفسهم بالنكت، ولكنهم في الليالي التالية امتنعوا عن إطلاق النكات؛ لأن هموما اجتماعية وسياسية واقتصادية ذات حساسية تعذبهم وتؤرق حياتهم.

 قضايا هامة:   

 لقد قرروا منذ البداية أن (البني آدمين دول مخهم على قدهم) بدليل تصرفاتهم بداية من إلقاء فضلات الطعام في الشوارع وفي حديقة الحيوان، في إشـارة لقضية تلوث البيئة وأسبابها كحرق القش والقمامة والكاوتش.

  ثم حوار حول قضية الخبز المكسر أو (المعفن) الذي يبيعه التجار لمزارع الدواجن ومزارع الأسماك أو كخميرة للطعمية،

 والقضية الأخطر/الهوية العربية والانتماء القومي، بسبب تدهور اللغة العربية على ألسنة بني البشر بسبب تداول اللغات الأخرى، وبسبب  السيارات التي تحمل أرقامًا أجنبية، وإطلاق الأسماء الأجنبية على المنتجعات والمحال التجارية وبكلمات ركيكة وبشكل يشوه لغتنا العربية.  فيقول أحد الحمير: (أرأيتم لغة في العالم تُهان وتُمتهَن كرامةُ رموزها على ألسنة ناطقيها وعبر الوسائل الإعلامية الرسمية بمثل هذه الدرجة.؟)     

  ومنها لقضية ارتفاع الأسعار وجنون البقر، التي أدت للفتوى بأكل لحم الحمير؛ لأنه مفيد لمرضى القلب والسكر والروماتيزم، وكذلك شائعة عصير البرسيم وغضب الحمير؛ لأن بني آدم سيشاركهم في غذائهم البرسيم رغم تمتعه بأغذية كثيرة.

  كما يناقش سلبيات المجتمع بشكل لاذع جدا، كرصف الشوارع أكثر من مرة في فترة قصيرة، مما يثير قلق المشاه إضافة لخسائر ميزانية الدولة.

السخرية والتهكم:         

 يعرض الكاتب سلبيات المجتمع في قالب ساخر على لسان (زجلول) باعتباره لسان حال عامة الشعب فيقول:

اللي معاه قرش محيره ،، يشترى حمام ويطيـــره

واللي معاه ألف محيره ،، يبني الرصيف ويكسره

واللي معاه كذا مليون ،، بعد ما يبني بيغيــــــــره

وغضبي

 ويختتم المقاطع بكلمة وغضبي كبديل مناسب لكلمة (وعجبي) بعد كل رباعية أو خماسية من زجلياته. 

 الأسلوب الصحفي المكثف:

  إذ يقدم إحصائيات دقيقة بطريقة الأخبار الصحفية والبحوث العلمية في جرائد المعارضة، كأدلة على فشل السياسات الاقتصادية.     

وبتكثيف شديد يناقش قضايا متعددة كـ(المحصول، البرسيم،القمح، استيراده، تجريف الأرض، تطوير الثروة الحيوانية والثروة السمكية الخ) ثم قضايا الغش التجاري المنتشرة حاليا كقضية (جزَّار الجيزة) الذي كان يقدم للناس لحم الحمير في صورة كباب وكفتة _مدهش_ ويتضح في الزنزانة أن أحد زبائنه كان يأكل من عنده منذ عشرين عاما فيردد بأسى:  

(يا راجل حرام عليك دا انا زماني أكلت جحشين تلاتة)

..

وفي تهكم بديع يحمد الحمير ربنا على أنهم حمير لأن هناك شعوبا يتم طردها من أوطانها، وتشريدها واغتصاب نسائها ويُتم أطفالها، وأقليات لا تستطيع صنع وطن لنفسها من الأساس، فيما يتفرج العالم دون أن يحرك ساكنا غير الشجب والإدانة والاستنكار، فالمؤلف يستثير غضب العروبة لاتخاذ موقف تجاه الشعوب المنكوبة والعروبة المحتلة فيقول:   

(مِية مسا .. مِية مسا.. القاعدة حلوة ومؤنسة)

فضوها سيرة يا عـــرب .. وبلاش كلام ومنظرة

لموا الورق هارجع ورا .. بكفــاية ذل ومسخرة

وبلاد كتير متنـــــــــأورة .. ع اللي جرى…. الخ

 الليالي الشهرزادية:

 كما يستخدم د/قنديس الحوار والسرد وشعر العامية وتقسيم العمل لمجموعة من ليالي شهرزاد، مُحاكيا تكنيكها الشهير في ألف ليلة وليلة.

فيستعرض خيانات أكبر في عالم البشر كخيانة الوطن والدين والجاسوسية والسرقات الكبرى والقروض والاغتيالات السياسية ويتعرض للفرق بين مصطلحي الاستعمار والاستحمار.

  ويتصاعد الخط البيانى إلى القضايا العالمية والمطرب المخنث المتهم باغتصاب الأطفال والعولمة ومصائبها وطغيان التدخل الأجنبي في شئون البلاد والهامبورجر والكنتاكي والجينز وادعاءات مفاوضات السلام والنظام العالمي الجديد… الخ

 والفساد العام كـ(سقوط طائرات، غرق سُفن بالحُجاج، حوادث قطار الصعيد، السحور الراقص في رمضان، أزمة المرور والزحام الشديد،    أزمة السيولة، وصفر المونديال ومشكلة إعادة توزيع الطرق في شكل اتجاه واحد وإنتاج 301 مليار سيجارة سنويًا ثم إنفاق الملايين على المدمنين وضرر مخلفات المستشفيات،

وعدم التفكير في حل مناسب لكل هذه الأزمات حتى الأحزاب السياسية وشروط العضوية بها، ومشكلة السكان.. إلخ

‏ليبيت الحمير في قهر وكدر وكمد آسفين على ما يحدث خارج الحمارخانة؛ فيما يفخرون بأن أحدهم ظهر مع توفيق الحكيم في حمار الحكيم وأنا وحماري ومع محمود السعدني في حمار من الشرق، فيحلم كل منهم بظهور أحدهم على غلاف الحمار خانة.

‏وتنتهي المسرحية بمشهد غاية في السخرية والتهكم، حينما يصحو سكان المنطقة على خمس عربات يجرها رجال وكل عربة يقودها حمار يضرب الرجل الذي يجر العربة بالكرباج قائلاً له:

( شي يا بني آدم )

وكأن هذا هو الوضع الصحيح الذي يجب أن يكون.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :