قضايا فقهية معاصرة

قضايا فقهية معاصرة

 بقلم :: د :: ابوبكر يونس الخيالي 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن هذه ، المقالات بعون الله تعالى –سنتاول فيها كل ما يتعلق  بالبيوع الشائعة في مجتمعنا ،والحيلة الجديدة للمرابين، التي جرت الناس إلى

أكل الربا  وامتصاص أموالهم ،والوقوع في الآثام والذنوب ، وأول هذه الحيلة ما يسمى تحت هذا الغطاء الجذاب ( بطاقات الإئتمان ) وهي في حقيقتها كما سيتضح ( قرض ربوي بفوائد معجلة ومؤجلة ) .

ماهية بطاقات الائتمان وأنواعها وطبيعته

أولاً: مفهوم بطاقات الائتمان:

أ- المسمى والمصطلح : يطلق على يطلق على بطاقات الإئتمان مسميات عدة منها : بطاقات الدفع الإلكتروني – بطاقات الاعتماد – بطاقات الإئتمان – النقود الإلكرونية – البطاقات البنكية – بطاقة الإ قراض – بطاقة الوفاء  – النقود البلاستيكية .

ولأن الاسم أو المصطلح لـه أثر على بيان طبيعة المسمى وبالتالى على تصوره وإصدار الحكم الشرعى عليه فإن الأمر يقتضى تحرير الاسم أو المصطلح الصحيح الذى يدل على هذه البطاقات، وهذا ما سنحاوله  توضيحه فيما يلي :

كلمة بطاقة (Card)لاخلاف حولها وهي تعبر عن الجانب الشكلي الذي يتمثل في صناعة البطاقة يقول رياض فتح الله واصفاً شكل البطاقة (البطاقة من مواد بلاستيكية لها مواصفات كيميائية محددة – مادة كلوريد الفنيل غير المرئى  PVC – الذى يتم تشكيله على هيئة رقائق عن طريق البثق بأجهزة خاصة وبعد تجميع الرقائق يتم طباعة البيانات عليها شاملة شعار واسم المنظمة واسم البنك المصدر واسم حاملها ورقمها وتواريخ الإصدار والانتهاء ويلصق عليها شريط البيانات الممغنط، وشريط التوقيع والصورة المجسمة ثلاثية الأبعاد التى تماثل العلامة المائية فى النقود الورقية وإضافة لذلك يسلم العميل الرقم السرى ليستخدمه فى السحب النقدى من آلات ATM ثم تقطع على هيئة مستطيل بمساحة 5 × 8سم([1]).

أما الكلمة المضافة للبطاقة فإنه اختيار بين عدة كلمات على النحو التالي :

إضافة كلمة ( البلاستيكية للبطاقة ) يدل على المادة المصنوعة فهو يتعلق بالشكل .

كما أن إضافته إلى لفظ ( الإلكرونية ) يتعلق بالأجهزة التي تعمل من خلالها  البطاقة ،وكذلك إضافة لفظ نقود لاتعبر عن حقيقتها ، إضافة لفظ بنكية لا يعبر عن حيقتها لنه هناك مؤسسات غير حكومية تصدر هذه البطاقات ، أما تسميتها ببطاقات الدفع  و الوفاء يعبر عن وظيفة البطاقة ،و لا يدل على معنى الثقة في حاملها ، وهذه البطاقات تستخدم في سحب النقود وهذه عملية ليس فيها دفع ولا وفاء بالدين .

أما الألفاظ ( الإئتمان ، الاعتماد ، الإقراض ) وبالرجوع إلى قواميس اللغة يتضح استخدام لفظ مستقل لكل من ( الإئتمان ) . فمعنى ائتمان Credit وقرض: Loan ولكل منهما مفهومه الخاص([2]).

كما أنه فى اللغة العربية بينهما فرق، فالائتمان يعنى الثقة المتبادلة التى تجعل الإنسان يطمئن إلى مداينة أحد الناس، أما القرض فهو مال يعطيه شخص لآخر على أن يرد بدله.

وفى الاصطلاح المصرفى فإن الائتمان أو الاعتماد هو تعهد يصدره بنك لطرف آخر بأن يمنحه أو يسدد عنه مبلغاً من المال فى المستقبل([3])، أما القرض فهو مبلغ يدفعه البنك فعلاً، وبالتالى فإن المعنيين مختلفان خلافاً لما يقول به البعض([4]): إن الاصطلاح والعرف المصرفي استقر على تسميتها بطاقات الإئتمان.

  • إن الإئتمان هو الاستعداد للمداينة أو التعهد بوضع البنك مبلغاً معيناً تحت تصرف العميل سواء استخدمه كله أو بعضه أم لا، وهو ما عليه بطاقات الائتمان، أما القرض فهو للتعبير عن دين وقع فعلاً([5]).

مفهوم بطاقة الإئتمان :

إن التعريفات تتعدد كالعادة ،ويمكن القول إن أقرب تعريف لتوضيح حقيقة بطاقات الإئتمان الذي أورده مجمع الفقه الإسلامي الدولي (بطاقات الائتمان مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعى أو اعتبارى بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع والخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومنها ما يمكن من سحب النقود من المصارف»([6]).

هذا هو مفهوم بطاقة الائتمان بصفة عامة، ولكن الأمر يتطلب للتعرف أكثر على ماهيتها بيان أنواعها وهذا ما سنوضحه .

البطاقات” تشكل ظاهرة متنامية، متوسعة الانتشار، إصداراً من البنوك مباشرة، أو بواسطة المنظمات، والجمعيات، واستقبالاً وحملاً لها من الأفراد، حتى يمكن أن يطلق على عصرنا هذا :”عصر البطاقات وبالاستقراء يجد الناظر مجموعة كبيرة من البطاقات العادية، والائتمانية، يمكن تصنيفها في ثلاثة أنواع:

النوع الأول: بطاقة الخصم أو القيد المباشر والفوري (Debit Card ) ويتم إصدارها بأن يقوم حامل البطاقة بفتح حساب جاري لدي البنك المصدر البطاقة يودع فيه مبلغاً معيناً يعادل الحد الأقصي المسموح له بالشراء في حدوده شهرياً، وعندما يقوم حامل البطاقة بالشراء من التجار أو الحصول على خدماتهم يرسلون مستندات الشراء أو أداء الخدمة للبنك المتعاقدين معه الذي يدفع المستحق لهم بالإضافة إلى حساباتهم المفتوحة لدى البنك، ويقوم البنك المصدر بالخصم أولاً بأول بقيمة مبالغ الشراء من حساب العميل الجاري المفتوح  لدي البنك، كما يتم الخصم أيضاً بقيمة المسحوبات النقدية بالبطاقة من آلات السحب (ATM) أو من البنوك، وفي نهاية كل شهر يرسل البنك كشف حساب إلى حامل البطاقة مطالباً إياه بإيداع مبلغ مماثل في الحساب الجاري حتي يعود الرصيد المطلوب الاحتفاظ به لدي البنك إلى كامل المبلغ، وإذا حدث وكشف الحساب بمعني زيادة المبلغ المخصوم به على الرصيد فإن البنك يحمل العميل بفائدة ينص عليها في اتفاقية إصدار البطاقة يتراوح معـدلها بين 1.5%، 1.75% شهرياً، أى من 18% إلى 21% سنوياً.

النوع الثاني: بطاقة الخصم الشهري أو الدفع المؤجل (Charge Card) وإصدارها لا يتطلب من حاملها الدفع المسبق للبنك المصدر في صورة حساب جاري، وإنما يطالب البنك المصدر حامل البطاقة بقيمة مشترياته ومسحوباته في نهاية كل شهر على أن يسددها في مدة تالية تتراوح بين 25، 40 يوماً وإذا تأخر عن السداد يحمل بفائدة فى حدود النسب المذكورة فى النوع الأول .

النوع الثالث: بطاقة الائتمان القرضية أو السداد على فتـرات لا حقـه (Credit Card) وهي مثل النوع الثاني إلا أن الاتفاق يكون ليس على المطالبة بكامل المبلغ في نهاية كل شهر وإنما يدفع جزءاً ويقسط الباقي على شهور تالية مع حساب فائدة بنفس المعدلات السابق ذكرها على المبلغ المقسط.

وقد يدمج النوعين الثاني والثالث معاً ويكون حامل البطاقة بالخيار إما الدفع شهرياً بدون فوائد، أو الدفع على أقساط بفوائد.

وتوجد بعض الضوابط لإصدار البطاقات والتعامل بها فلابد من توضيحها .

أهم ضوابط اصدار البطاقات والتعامل بها :

أ – يقوم البنك قبل إصدار البطاقة لأي شخص بإجراء دراسة ائتمانية للتعرف على قدرة العميل على سداد المبالغ المطلوبة منه لأن الائتمان يعني الثقة في العميل.

ب ـ يتم وضع حد أقصي للمبلغ المسموح الشراء أو السحب في حدوده شهرياً لكل عميل يجب أن لا يتجاوزه مثل 5000 أو 10000 جنيه شهرياً أو أكثر من ذلك حسب دخل العميل ودرجة الملاءة ونزاهته والثقة فيه .

ج ـ يتم وضع حد أقصي لمشتريات العميل أو حصوله على الخدمات من كل تاجر كل مرة مثال ذلك الحد الأقصي لشركات الطيران 2000 جنيه وفي الفنادق الكبيرة 4000 جنيه ومحلات التجزئة والسوبر ماركت 500 جنيه ولا يجوز للتاجر تقديم سلعة أو خدمة في المرة الواحدة بأكثر من الحد المنصوص عليه في اتفاقيته مع البنك، كما يوجد حداً أقصي للمسحوبات النقدية بواسطة البطاقة سواء من البنوك المشاركة أو أجهزة الصرف الآلي ATM

د ـ يدفع العميل رسوماً لإصدار البطاقة وتجديدها في حدود من 50 إلى 150 جنيه في بعض البنوك وذلك مقابل طبع البطاقة وتكاليف الإصدار وقد تصدر بعض البنوك البطاقات بدون رسوم لبعض الشخصيات المرموقة أو على الإطلاق لترويج البطاقة وزيادة المصدر منها.

هـ- عندما يرغب حامل البطاقة فى الشراء من التجار يختار السلعة أو الخدمة وبدلاً من تقديم ثمنها نقداً يقدم البطاقة للتاجر الذى يتأكد من صحة البطاقة ومن شخصية حاملها وأنها تخصه ويحرر فاتورة أو قسيمة البيع ويبصم عليها بالبطاقة بواسطة الآلة المسلمة إليه من البنك POS ويأخذ توقيع العميل على الفاتورة مع مضاهاته بنموذج توقيعه على البطاقة، وفى نهاية كل مدة متفق عليها أربعة أيام أو أسبوع فى العادة يرسل كشف مطالبة للبنك المتعاقد معه بقيمة المستحق لـه طرف حملة البطاقات مرفقاً بها صوراً من قسائم البيع فيضيف البنك المبلغ لحساب التاجر المفتوح لدى البنك بعد خصم عمولة البنك والتى تتحدد بنسبة حوالى من 1% إلى 5% من قيمة القسائم.

و – عندما يريد سحب مبالغ نقدية من آلات السحب النقدى يدخل البطاقة فى الآلة ويدخل الرقم السرى الخاص به على لوحة المفاتيح الموجودة بها والمبلغ المطلوب فيخرج لـه المبلغ ويتم الإبلاغ للبنك المصدر إلكترونياً بواسطة الآلة.

ز – يقوم البنك باستيفاء مستحقاته عن المبالغ التى دفعها للتجار من حملة البطاقات إما بالخصم على الحساب الجارى لحامل البطاقة المفتوح لديه إذا كانت من النوع الأول، أو إرسال كشف مطالبة فى نهاية كل شهر لـه بالمستحق عليه فى النوع الثانى، أو الجزء المتفق عليه فى النوع الثالث، وإذا تأخر عن السداد يحمله بالفوائد حسب ما سبق ذكره.

ح – يمكن إصدار بطاقات إضافية لزوجة حامل البطاقة أو أبنائه ويتم استخدام هذه البطاقات الإضافية والتعامل عليها مثل البطاقة الأصلية .

ط ـ فترة صلاحية البطاقة سنة يلزم تجديدها والذي يتم تلقائياً ما لم يبد أي طرف الرغبة في عدم التجديد، وتحميل من يستخدمها بعد فترة الصلاحية مسئولية ذلك.

ى ـ إذا فقدت البطاقة أو تلفت فعلي حامل البطاقة سرعة إبلاغ المصدر حتى يتوقف التعامل عليها. ويقوم البنك بإيقاف التعامل على البطاقة إلكترونياً ويتم تبليغ ذلك إلى جميع التجار على مستوى العالم إضافة إلى محو بياناتها من ذاكره آلات السحب النقدى.

ك- يحق للبنك المصدر إيقاف البطاقة في أي وقت لمدة معينة أو إلغائها إذا تبين له سوء استخدام حامل البطاقة لها أو قصر في تنفيذ التزاماته ويبلغ ذلك لجميع التجار وإذا باع التاجر بموجب بطاقة موقوفة لا يكون البنك ملزماً بدفع المستحق له، كما انه يحق لحامل البطاقة طلب إلغائها في أي وقت.

هذه هي أهم الضوابط لإصدار البطاقة والتعامل بها والتي ساهمت في التعرف أكثر على ماهيتها .

إن الذي يهمنا في هذا المقام معرفة حكمها الشرعي ، وهل يجوز التعامل بها ؟ وما هي البطاقات المصرفية التي تستخدمها المصارف الاسلامية ؟

أولاً : حكمها البطاقة العادية.. ويقال: بطاقة الصرف، أو بطاقة الصرف الآلي، أو بطاقة الخصم الفوري. ويقال التقليدية .

وهي تتصف بما يلي:

  1. لا تصدر إلا لمن له رصيد لدى البنك.
  2. ولا تسمح بالصرف من غير رصيد حاملها.
  3. وبدون مقابل.
  4. ويتم الخصم فور استخدامها بالاستلام للمبلغ، أو بالتحويل عليه.
  5. وهي محلية في محيط جغرافية الدولة، وقد تسع حسب ربط أجهزة الصرف بدولة أخرى.
  6. ومن خدماتها الاستعلام عن مقدار الرصيد.

بهذا الوصف ليست محل بحث، لعدم وجود أي شائبة في حلها، وما لم يحصل لها شرط أو وصف إضافي ينقلها من الحل، ويحولها إلى التحريم ،

ثانيا: الحكم الشرعي على بطاقات الائتمان:

أ-مدى توافر أركان وشروط عقد الضمان أو الكافلة في بطاقة الائتمان: شأن أى عقد فإن أركان العقد ثلاثة إجمالاً هى: العاقد والمعقود عليه والصيغة وفي بيان مدى توفرها في بطاقة الائتمان بصفتها عقد ضمان يتضح ما يلي:

  • العاقد: عقد الضمان ثلاثي الأطراف هم الضامن والمضمون عنه والمضمون لـه، وهو ما يتوفر في البطاقة، فالمصدر هو الضامن وشرطه الرشد أو الأهلية وهو متوفر له بصفته شخصية معنوية([7]).

والمضمون عنه وهو حامل البطاقة ومن أهم شروطه معرفته ليعلم هل هو موسرا أم لا؟ وهو ما يتم في بطاقة الائتمان حيث يصدر البنك له البطاقة بعد دراسة حالة العميل الائتمانية.

والمضمون له وهو التاجر ويستفيد بضمان حقه.

2- المضمون: وهو مبلغ الدين الناشئ في ذمة حامل البطاقة للتاجر أو البنوك الأخرى عن مشترياته أو مسحوباته النقدية وأهم شرط فيه كونه ثابتاً لازماً، ومع أن دين البطاقة لا يكون موجوداً عند إصدارها الذي يمثل عقد الضمان، فإن جميع المذاهب الفقهية تجيز مسألة ضمان ما سيجب كما بيناه في الفقرة السابقة.

3- الصيغة: وتتمثل في الإيجاب والقبول الذي يدل على رضا أطراف البطاقة، وإصدار البنك للبطاقة بناء على طلب حاملها، وكذا اتفاقية البنك مع التجار يحقق ركن الصيغة.

ب-شروط وأحكام التعامل بالبطاقة ومدى شرعيتها: ونتناولها وفق ما يلي:

  • رسوم الإصدار والتجديد: من شروط إصدار البطاقة حصول البنك المصدر على رسوم من حاملها عند الإصدار والتجديد واستخراج بدل الفاقد عنها، ويختلف مقدار هذا الرسم من بنك إلى آخر كما قد تعفى بعض البنوك الحامل من هذه الرسوم، وأخذ هذه الرسوم يلقى شبهة التعامل بالربا حيث لا يجوز في عقد الضمان أن يحصل الضامن على أجر مقابل ضمانته كما جاء “وكذلك تبطل الكفالة إذا فسدت نفسها كما إذا أخذ الضامن جعلا من رب الدين أو المدين أو من أجنبى لأن الضامن إذا غرم رجع بما غرمه مع زيادة الجعل وذلك لا يجوز، لأنه سلف بزيادة”([8]).

وفي الحقيقة فإن هذه الرسوم ليست مقابل الضمان وإنما لتغطية مصاريف إصدار وطبع البطاقة حيث يرد ذلك صراحة في اتفاقيات الإصدار ما نصه “أتعهد بأن أدفع للبنك رسما سنويا يحدد البنك مقداره مقابل البطاقة لتغطية مصاريف الإصدار والطبع” ويدل على ذلك أيضا أن مقدار هذه الرسوم ثابت في نفس البنك على كل أنواع البطاقات دون ارتباط بمبلغ الدين المضمون سواء الحد الأقصى للبطاقة أو بما يشترى به أو يسحبه حاملها كل شهر.

  • العمولة التي يحصل عليها البنك من التاجر كنسبة من قيمة مبيعاته لحملة البطاقات، وهى تلقى بشبهة الربا على المعاملة إذا كيفت هذه العمولة على أنها أجر للبنك على الضمان، ولكن بالتحليل يوجد أنه يمكن تخريج هذه الرسوم إما على أنها سمسرة للبنك الذي أرسل حملة البطاقة للتاجر، وهى جائزة شرعاً([9]).أو أنها أجر على توصيل الدين على أساس أنه “لا يلزم تسليم الدين للكفيل ليؤديه”([10]) وبالتالي فكان البنك يعد وكيلاً في توصيل الدين([11]) والأجر على الوكالة جائز شرعاً.
  • عمولة وفوائد السحب النقدي بموجب البطاقة: تنص الشروط في اتفاقية البطاقة بتحميل العميل عمولة على عمليات السحب النقدي بواسطة البطاقة سواء من آلات السحب أو من البنوك المشاركة فى العضوية وتقدر إما بنسبة مئوية من المبلغ المسـحوب (0.2% إلى 1%) أو بمبلغ مقطوع مثل 2.75 دولار على المسحوبات بالعملة الأجنبية، وبعض البنوك تكتفى بذلك وبعضها الآخر تحسب إضافة عليها فائدة على المبالغ المسحوبة تحدد في العقد بنسبة مئوية من المبلغ وحسب المدة من تاريخ السحب إلى تاريخ السداد.

وبالنظر أولا في عمولة أو رسوم السحب النقدي نجد أن الفقهاء المعاصرين اختلفوا حولها([12]) ما بين مجيز على أساس أنها مقابل وخدمات وتكاليف تجهيز الآلات وتحويل المبالغ وبشرط أن تكون بمبلغ مقطوع وليس كنسبة مئوية من المبلغ المسحوب بينما يرى آخرون أنها غير جائزة شرعاً.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الفوائد أو العمولة ليست شرطا ضروريا تفرضه المنظمة العالمية بل يمكن إلغاؤه من اتفاقية الإصدار دون المساس بالبطاقة وهو ما يحدث فعلاً في بعض البنوك كما جاء في الاتفاقية الصادرة عن إحداها ما نصه: “أن جميع المسحوبات النقدية تتم دون احتساب عمولة أو رسوم”([13]).

  • سعر صرف العملات الأجنبية التي اشترى بها أو سحبها حامل البطاقة من الخارج ويقوم البنك المصدر بالسداد بالعملة الأجنبية ثم يستوفى حقه من حامل البطاقة بالعملة المحلية السداد بالعملة الأجنبية، والنص على ذلك في اتفاقيات الإصدار أن سعر الصرف يحسب على أساس السعر السائد، أو الجاري يوم السداد، وهذا الشرط بهذه الكيفية جائز شرعاً([14]).

أما الفوائد المحسوبة على هذه المبالغ فإنها من الربا المحرم شرعاً، ومع مراعاة أن البنوك الإسلامية المشاركة فى عضوية إصدار البطاقات لا تحمل العميل بأية فوائد على هذه المبالغ.

  • فوائد التأخير التي ترد في اتفاقية الإصدار يتحمل العميل بها في النوع الأول إذا كشف الحساب، وفي النوع الثاني إذا تأخر حامل البطاقة عن السداد في الموعد المحدد، وفي النوع الثالث كشرط أساسي في الإصدار، ومن المعلوم أن هذه الفوائد ربا تحرمه الشريعة الإسلامية الأمر الذي يلقى على المسلمين مسئولية عدم التعامل بها ففي النوع الأول والثاني لا يتأخروا عن السداد، ولكن يثار هنا تساؤل: على إيراد شرط الفوائد في هذين النوعين يبطل العقد حتى لو نوى حامل البطاقة السداد وعدم التأخير حتى لا يتحمل بهذه الفوائد؟ يرى بعض الفقهاء المعاصرين([15]) أنه يجوز الدخول في هذه الاتفاقية مع وجود هذا الشرط فيها طالما نوى المسلم السداد وعدم التأخير على أساس أن الشرط لاغ والعقد باق.

بل إن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك فإن البنوك الإسلامية المشتركة في عضوية إصدار هذه البطاقات لا تذكر شرط الفوائد من الأصل بل حتى في البنوك غير الإسلامية فإنه يمكن لحامل البطاقة طلب إلغاء هذا الشرط ويجاب لطلبه.

أما الفوائد على النوع الثالث والتي تمثل شرطاً أساسياً فيها لأن حامل البطاقة لا يسدد كامل القيمة دائماً وإنما يظل قرضا متجدداً في ذمته فإن ذلك من الربا المحرم شرعاً، وخروجاً من ذلك يمكن أن يتم الائتمان بموجب هذه البطاقة في إطار عقد البيع وليس عقد الائتمان. وذلك بتحريم قسائم البيع باسم البنك الذي يقوم ببيع البضاعة مرابحة إلى حامل البطاقة بثمن الشراء زائد ربح يسدد على أقساط([16]) ولقد طبق البنك الأهلي التجارى السعودى هذه الفكرة بنجاح.

  • المزايا الإضافية التي يقدمها المصدر لحامل البطاقة مثل التأمين على حامل البطاقة وحق الحصول على استشارات طبية وقانونية مجاناً وأولوية لحجز المضمون لدى الفنادق وشركات الطيران وتقديم المعلومات العامة من خلال الاتصال التليفوني المجاني بأى مكان في العالم.

وبداية نذكر أن هذه المزايا ليست ملزمة كشرط لإصدار البطاقة ويمكن إلغاؤها ومن وجه آخر فإن حصول المضمون عنه (حامل البطاقة) على مال أو خدمات في إطار عقد الضمان جائز لدى الفقهاء حيث جاء “وأما إذا كان الجعل للمدين على أن يأتي بضامن فسواء كان من رب الدين أو من أجنبي فجائز وكذا من الضامن للمدين”([17]) وبالتالي فهذه المزايا الإضافية جائزة شرعاً.

أنه في الكفالة أو الضمان يكون لصاحب الحق مطالبة كل من الأصل والضامن كما جاء “وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل اجتماعاً وانفراداً”([18]) وجاء أيضا “ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما”([19]) وفي البطاقة تنقطع المطالبة بين التاجر وحامل البطاقة وتتوجه إلى مطالبة التاجر فقط إلى البنك المتعاقد معه، وهذا الشرط لا يخالف شرعا لأن مبناه الاتفاق والرضى وقد رضى التاجر بالاقتصار على مطالبة البنك دون حامل البطاقة حيث جاء “إن الطالب مخير بين طلب الغريم أو طلب الضامن”([20]) وجاء أيضا “في الحالات الست وهى العسر واليسر والغيبة والحضور والموت والحياة … فإن اشترط ضمانه أو شرط رب الحق أخذ أيها شاء كان له طلب الضامن إذا جاء الأجل ولو حضر الغريم مليا”

وبذلك ننتهى من إعداد هذه المقالة التي حاولنا فيها تقديم أهم المعلومات حول بطاقة الائتمان فإن كنا وفقنا في ذلك فهذا من فضل الله وإن كانت الأخرى فمن نفسي وتقصيري.

والله ولى التوفيق

 ([1])         رياض فتح الله بصله – جرائم بطاقات الائتمان – دار الشروق، القاهرة 1995م ص 14.

([2])     تحسين التاجى الفاروقى –«قاموس مصطلحات المصارف والمال والاستثمار» الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية بالأردن – 1997م، مادة Credit ، Loan .

([3])         د/ مدحت صادق «أدوات وتقنيات مصرفية – دار غريب بالقاهرة – 2001 ص 11.

([4])     د/ عبد الوهاب أبو سليمان «البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد» دار القلم بدمشق – مجمع الفقه الإسلامي 1998، ص23 – 25.

([5])         د. محمد زكى شافعى – مقدمة فى النقود والبنوك – دار النهضة العربية ص 215.

([6])     قرارا وتوصيات المجمع الفقهى فى دورته السابعة المنعقدة بجدة 1412هـ – قرار رقم 65/1/7 فقرة رابعاً.

([7]) د. أحمد على عبد الله- الشخصية الاعتبارية في الفقه الإسلامي- 1986- السودان.

([8]) حاشية الخرشى- مرجع سابق 6/30.

([9]) د. عبد الستار أبو غدة “بطاقة الائتمان وتكييفها الشرعي” بحث مقدم إلى المؤتمر السابع لمجمع الفقه الإسلامي- منشور بمجلة المجمع- العدد السابع- الجزء الأول صـ336.

([10]) التاج والأكليل للمواق على هامش مواهب الجليل للحطاب- مرجع سابق- 5/105.

([11]) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير- مرجع سابق- 3/339.

([12]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولى 1412هـ العدد السابع الجزء الأول ص47، 476، 651، 807.

([13]) اتفاقية إصدار بطاقة بيت التمويل الكويتى.

([14]) سنن ابن ماجه- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي- 2/760 حديث رقم 2262.

([15]) د. عبد الستار أبو غدة- مرجع سابق- 1/664.

([16]) لقد سبق للباحث تقديم هذا المقترح وأسلوب العمل به تفصيلاً في بحث له بعنوان “الإطار الشرعي والمحاسبي لبطاقات الائتمان” منشور بمجلة كلية التجارة – جامعة عين شمس 1992م.

([17]) حاشية الخرشى- مرجع سابق- 6/2.

([18]) مغنى المحتاج للخطيب الشربينى- مرجع سابق- 2/208.

([19]) المغنى لابن قدامة- مرجع سابق- 5/590.

([20]) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير- مرجع سابق- 3/337.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :