( لا) .. ليس إلا

( لا) .. ليس إلا

بقلم :: سالم الهمالي

دخلوا عليها دفعة واحدة ينادون بأعلى صوتهم: بطل .. بطل .. والله بطل
سألتهم: من البطل
قالوا لها دفعة واحدة: ابنك بطل .. نعم بطل .. بطل ودخل الجنة
فرحت لوهلة عند سماعها لكلمة ” بطل” يرددونها، لكنها فزعت عندما اتبعوها بدخول الجنة !!
يعني مات حتى يدخل الجنة ؟!
دفعة واحدة ايضا هذه المرة، تعالت اصواتهم بالبكاء والنحيب والعويل، مات ابنك .. قُتل .. لكنه سيدخل الجنة ..
ما عادت تتذكر الكثير مما حدث بعد ذلك، إلا عويل أقاربها من النساء، يتحلقن حولها بوجوه كالحة، عيون تذرف الدموع، والسن أعياها البكاء … مات، الله يرحمه .. صّغير ما را الدنيا مازال !!.. توالت ايام العزاء والنحيب والبكاء .. ولا شيء غير البكاء
كل الذين جاؤوا اول مرة بذاك الخبر المشؤوم ذهبوا، ولم يعودوا ثانية، فهي ( رابط)، وما عادت تسمع حتى كلمة بطل .. بطل .. والله بطل .. هي ( رابط) الى يوم القيامة !!
……………
فُجعت في ابنها الوحيد، ” سند”، الذي أنجبته بعد شهرين من فَقد ابيه في حادث سيارة، لتستعيد ايام المرارة وتسدل الستارة على ذلك الحلم الذي عاشت عليه، بأن تَراه رجل فاتح بيت وتلاعب صغاره … يا للمرارة !!
ما عادت تذكر الكثير عن يوم وفاة ابيه، حينها كانت عروس صغيرة، تحلم وتحلم وتحلم، تبخرت أحلامها، وبقيت على مضض تربي طفلها وحيدة في غرفة داخل بيت كبير، الكل يرصدها بعينين: اليمين مشفقة واليسار مرتابة .. وكم كانت تكره كلاهما. سنين، تخدمهم بلا ثمن، غير عابئة بشيء أكثر من ذاك الفتى الذي يترعرع أمامها، ففيه وضعت كل آمالها وأحلامها .. قريبا سيصبح رجل، يتزوج ويفتح بيت، تعيش معه، وترى صغاره الذين لم تنجبهم، وتركب سيارته في شموخ، وتتصرف وكانها ملكت الدنيا كلها .. آ والاهم من كل ذلك سيحججها .. وتدعو له ولأبيه عند الكعبة.
……….
القدر غريمها، انتزع الفرح من أحشائها مرتين، في الاولى وهي العروس، والثانية وهي تبحث عن عروس .. البسها سدل السواد، لم يبقى لها ما تفرح به او لاجله …. قالوا لها انه بطل .. بطل .. بطل ودخل الجنة. سند أزاح الحزن الاول، فمن سيزيح حزنها الجديد، الذي يتعاظم بذكرى حزنها القديم.
…………..
كل الذين قالوا عنه انه بطل، ما عادوا يذكرونه إلا نادرا، وهو يعيش معها كل يوم وكل لحظة، تَراه في أفراحهم، ومناسباتهم، ومدارسهم، وتقول … آه لو كان بينهم. كم من الذل الذي تحملته من اجله، وكم من الذل الذي عاشته من بعده ؟!
لا تدخلي .. لا تخرجي .. لا تلبسي .. لا تنظري .. لا تأكلي .. لا تضحكي .. لا تركبي .. عاشت مع ( لا) في كل مكان، حتى صغارهم يقولون لها ( لا) تفعلي و ( لا) تقولي … إلا مع سند في غرفتها، تلاعبه، وتضحكه، وتدخله، وتخرجه، وتلبسه، ولا تعيا من النظر اليه .. لعلها به ذات يوم ، حين يكبر تتخلص من ال ( لا) التي تكبلها.
قالوا لها انه ذهب الى الجنة .. تمنت ذلك .. دعت ربها ان يدخله الجنة، ليس فيما قُتل، فهي تشك في ذلك، فالقاتل والمقتول في النار، لكن ربما: على شيء من صبرها الطويل على أذاهم، وعلى فقدان الاحبة، او تحملها لكلمة ( لا)، التي استعبدتها وحرمتها من الدُنيا .. عاشت بقية عمرها الطويل تتمنى ان تسكن الجنة في غرفة مع سند وحبيبها بلا ( لا) … ليس إلا

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :