لا يُصلح السراج ما أفسد الدهرُ

لا يُصلح السراج ما أفسد الدهرُ

كتب :: حسن الوافي 

(الإصلاح المالي، مساحيق تجميل توضع على الوجه القبيح للاقتصاد الليبي)

(لا يُصلح العطار، ما أفسدَ الدهر)

“يحكى في قصة هذا المثل؛ ﺃﻥ ﺃﻋﺮﺍﺑﻴﺎً ﻧﺰﻝ ﺑﺄﺭﺽ ﻗﻮﻡٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ ﻋﺠﻮﺯٌ ﻣﺘﺼﺎﺑﻴﺔ، ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﺘﺰﻳَّﻦ ﻭﺗﺘﺠﻤَّـﻞ، ﻭﺗﺒﺬﻝ ﻛﻞَّ ﻏﺎﻝٍ ورخيص ﻹﺧﻔﺎﺀ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺃﺕ ﺗﺪﺏ ﻓﻲ ﺃﻭﺻﺎﻟﻬﺎ، ﻭﻃﻤﺲ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺠﺴﺪﻫﺎ ﻛﺮُّ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺗﻌﺎﻗﺐ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ. ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻫﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺍﻧﺨﺪﻉ ﺑﻤﻈﻬﺮﻫﺎ، ﻓﺘﻘﺪﻡ ﻟﺨﻄﺒﺘﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﺗﺰﻭﺟﻬﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺯُﻓَّﺖ ﺇﻟﻴﻪ، ﺗﻜﺸﻔﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺮَّﺓ، ﻭﺭﺃﻯ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺷﻤﻄﺎﺀ ﻓﻲ ﺛﻴﺎﺏ ﻓﺘﺎﺓٍ ﺷﺎﺑﺔ؛ ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮﻝ:

ﻋﺠــﻮﺯٌ ﺗُـﺮﺟِّـﻲ ﺃﻥ ﺗﻜـﻮﻥ ﻓﺘـﻴـَّﺔً **** ﻭﻗﺪ ﻧﺤﻞَ ﺍﻟﺠﻨﺒﺎﻥِ ﻭﺍﺣﺪﻭﺩﺏَ ﺍﻟﻈﻬْـرُ

ﺗﺪﺱُّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻄَّﺎﺭ ﺳﻠﻌـﺔَ ﺃﻫﻠِﻬﺎ **** ﻭﻫﻞ ﻳﺼﻠﺢُ ﺍﻟﻌﻄـَّﺎﺭ ﻣﺎ ﺃﻓﺴﺪَ ﺍﻟﺪَّﻫْﺮُ”


صدر مؤخراً مجموعة من القرارات عن المجلس الرئاسي بعد اجتماع ثلاثي جمع يوم الاربعاء 12 سبتمبر، إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي ونائبه السيد/ أحمد معيتيق، رئيس المجلس الأعلى للدولة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، بعنوان (الإصلاحات الاقتصادية).

من ناحية الشكل فإن المحتوى (على عكس العنوان) كان عبارة عن مجموعة من إجراءات تدخل تحت بند “الإصلاح المالي الجزئي“، وتشمل خفض سعر بيع الدينار الليبي أمام الدولار بإضافة ضريبة مبيعات لترفع قيمة الدولار وتتيح بيعه في المصارف بدل السوق السوداء. بالإضافة إلى زيادة مخصصات الأسر الليبية من الدولار بقيمة 1000 دولار للفرد بالسعر الأصلي للدينار. وهذه ليست إصلاحات اقتصادية على الإطلاق وهذا خلل كبير في المفاهيم ويمكن أن يكون المصطلح مُضلل بشكل كبير للمواطنين.

ويجب علينا هنا تعريف ما هو الفرق بين الإصلاحات المالية على أهميتها، وبين الإصلاحات الاقتصادية الجذرية الأكثر أهمية. فالإصلاح المالي مع وجود خلل اقتصادي لا يعدو كونه تجميل لوجه عجوز.

أولاً ما هو الفرق بين الإصلاحات المالية والإصلاحات الاقتصادية؟

  1. الإصلاحات المالية:

يُعرف السيد/ محمد بهلول (رئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين) “الإصلاح المالي؛ بأنه  الإصلاح المصرفي فهو يشكل أكبر جزء في الإصلاح المالي، فالعلاقة بين النظام المالي (وفي طليعته الإصلاح المصرفي) والتنمية المستدامة علاقة عضوية متكاملة، فالدور الطبيعي لرأس المال النقدي هو أن يكون وسيط بين الادخار النقدي و الاقتصاد الحقيقي (الإنتاج، السلع و الخدمات)، كما أن هذه العلاقة علاقة تكاملية فهي أيضا علاقة تراكمية، أي بقدر ما يكون النظام المالي ( البنوك والمؤسسات المالية المتمثلة خصوصا في شركات التأمين و السوق المالية…) فعالا بقدر ما تكون الحركة الاقتصادية و التنمية نشيطتين.”

  1. الإصلاحات الاقتصادية:

حسب وثيقة الإسكندرية الصادرة عن مؤتمر قضايا الإصلاح العربي في مارس 2004، فإن “الإصلاح الاقتصادي يشمل كافة التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني، والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق، بما يمكنه من الانتعاش والازدهار، وبما يسهل تكامله مع الاقتصاديات الإقليمية، واندماجه في الاقتصاد العالمي. وغنى عن البيان، فإن هذا المفهوم للإصلاح الاقتصادي، ينطوي على حسم لكثير من الجدال والمناقشات حول هوية النظام الاقتصادي، وحول كثير من التفاصيل، مثل دور الدولة، والعلاقة بينه وبين دور السوق، والبعد الاجتماعي للتنمية…الخ”

ثانياً لماذا من المهم التفريق بين الإصلاح المالي والإصلاح الاقتصادي؟

في الحالة الليبية تكمن الخطورة في أن أساس المشاكل الأمنية والسياسية تنبع من التنافس على اقتصاد الظل، وحسب تصريح غسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا في مارس 2018:
“لا يمكن حل الصراع الدائر في البلاد دون القضاء على الاقتصاد الأسود و“نهب المال العام“، داعيا الفاعلين الدوليين إلى فرض عقوبات على ”المهربين الكبار“.”

إذا فالموضوع ليس رفاهية أكاديمية ولا فروق لغوية، ولكنها خيارات مصيرية تحدد حاضر ومستقبل ليبيا والليبيين، فالإصلاح الاقتصادي المطلوب يشمل القضاء على أنشطة اقتصاد الظل المبنية على التهريب (العملة الصعبة والوقود والبشر والسلع التموينية المدعومة) والناتجة عن الخلل في الاقتصاد الوطني الريعي المعتمد على بيع سلعة واحدة (النفط والغاز) واستهلاك إيراداتها، وكذلك فإن الإصلاح الاقتصادي حسب زياد بهاء الدين، (نائب رئيس مجلس الوزراء المصري ووزير التعاون الدولي السابق، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري) “فإن من المفترض أن يكون للإصلاح الاقتصادي عوائد كبيرة، على رأسها زيادة الاستثمار، وانخفاض البطالة، وتدفق السياحة، وتوافر النقد الأجنبي، وتحرير موارد إضافية للدولة تتيح مزيدا من الإنفاق على الخدمات العامة. ولكن الإصلاح المالي والنقدي لا يأتي وحده بهذه الثمار المنشودة، بل يلزم أن تتضافر معه سياسات وبرامج تحقق إصلاحا اقتصاديا حقيقيا يزيل عوائق الاستثمار، ويفتح التنافس في المجالات الواقعة تحت سطوة الاحتكار، ويطلق طاقات الإبداع والمبادرة، ويحفز المشروعات الصغيرة، ويكسر حالة الركود السياحي. الإصلاح المالي والنقدي إذن ضروري ولكنه غير كافٍ بذاته لتحقيق التنمية الاقتصادية، بل يمهد الأرضية التي تتيح للإصلاح الاقتصادي أن يجلب العوائد المنشودة.”

في الختام، لا يمكننا تحميل حكومة الوفاق الوطني أكثر مما تحتمل، فهي ناتجة عن اتفاق الصخيرات وهو كان واضح وصائب في هذا السياق، فقد أشار الاتفاق السياسي إلى مصطلح الترتيبات المالية، وليس الميزانية العامة، وهذا له دلالاته، إذ لا يمكن لسلطة تنفيذية أن تقترح وتعتمد ميزانية عامة وتحيلها للمصرف المركزي مباشرة للتنفيذ دون تصديق الجهات التشريعية، علاوة على إقتراح وتنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية، تتطلب تقليص الكادر الوظيفي للدولة (البطالة المقنعة) من حوالي مليون ونصف موظف إلى أقل من نصف هذا العدد مع إستيعاب الآخرين في وظائف إنتاجية حقيقية تضيف للناتج القومي وتؤدي إلى بناء اقتصاد وطني متنوع في مصادر الدخل ويستثمر الطاقات البشرية والموارد الجيوستراتيجية الكبيرة المهملة نتيجة الإعتماد الكلي على إنتاج وبيع النفط.

وللحديث بقية !

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :