لستَ بفارسي

لستَ بفارسي

  • عائشة سالم :: سبها :: أم الارانب

كانت كلماتي الأخيرة وأنا أخلع خاتم خطبتي وعقلي الذي كلفني سعادتي، لألحق بمركب المشاعر بحثاً عن الحب، لايهمني إن تمزقت أشرعتي أو إبتلعتني الأمواج حتماً سيطفو شيئاً مني، سينتشلني قلبٌ ما من قاع خيباتي، ومن يدري ربما أقمت فيه إلى الأبد كأنه توقع هذا أو بالأحرى إنتظره، لم يبدوا مذهولاً ولم تكسوه ملامح الصدمة الأولى، لم يصعق بخبر فقداني، لم يسألني لماذا أو كيف، لأنه لم يمتلك يوماً تلك الفطرة التي يمتلكها معاشر العشاق في طرح الأسئلة التهكمية والغبية والتي سيندمون عليها لاحقاً ويلومون أنفسهم كيف لم ينتبهوا إلى أنهم خُدِعوا من البداية. لم يلعني أو يهددني ولم يُسب اليوم الذي إختارتني له أمه عروساً، لم يزجرني أو يصرخ في وجهي كعادة الحب على التناقض والتمرد في إبداء الأراء والمشاعر. دائما ما كانت عباراته شديدة الأناقة،دقيقة الغاية، متقنة البلاغة، وقليلة الصدق. حبه لم يكن كبيراً للحد الذي يجعله يخشى إنسيابه من بين شفتيه، فقل صمته وفضحته الحروف، وقليلاً من الحب لا يرضيني. حاول أن يكون مثالياً جداً، فحال دون أن يفسح لي مجالاً لأن أكمل فيه نقصاً أو أرمم فيه شرخاً ليربطني به بقرابة ما، فيوطد أواصر المحبة ويظل يذكرنا دوماً بإحتياجنا لبعضنا البعض. لم تلمع عيناه في حضرتي أبداً، لم يشرد عني بعيداً إليّ، لم يشي به الحب كتنهيدة فارة من الكبرياء داخله، لم يستشعر برودة أطرافي وزرقة مشاعري وإنطفاء عيناي وحاجتي للإحتواء. عبثاً كان يخدعني وقلبي يراه… كم كان يلزمه أن يأتي إليّ أشعثا أغبراً حافي القدمين، لو رأيته من بعيد ربما صدقته. لم يطمئن قلبي يوماً لفارسٍ على جواد، تلك الخيلاء تربكني، ففي غالب الأمر سيكون قد مشى على قلب إمرأة مثلي أو ربما جائني فاراً من لعنة حب أو ذكرى ما، لاجئاً لقلبي السخي في العطاء والذي لن يدري يوماً عن جبروته السابق، الى أن يستكين ويتمكن فيكويني..! كان ينقصه الصمت وشيء من البريق وإرتباك الموعد الأول ليبدو أصدق..! أفرط في التباهي بموديل سياراته الجديدة ومشاريعه الكبيرة وإنهمك بالحديث عن نجاحاته وتملُق الجميع حوله بما فيهم زميلات العمل”الجميلات الفاتنات” على حد قوله. لم يدري أني أنتمي للقلة من النساء التي لم تنخرط يوماً في حزب عشاق المظاهر، لا تغريني قطعة حلوى من “موزارت” ولم يكن “البودري” مطلبي الأوحد، ولم أنتظر منه آيفوناً، لأجعل من حياتي الخاصة فرجة، وأصنع من ترفي سعادة أشارك بها الجميع على الفايسبوك، فقط لأظفر ب”اللايكات” وأرضي غروري..! لا تستهويني رجولة تباهي بما لديها، وحدها تلك التي لا تخجل بأن تفصح عن نقصها وإعوجاجها تغريني. لا زلت أذكر ذلك اليوم عندما تسللت إلي مسمعي كلماته على حين غفلة منه وهوّ يتحدث لصديقه في المكتبة العامة منتظراً وصولي الذي جاء مبكراً عكس توقعاته، (وافقت فقط لأرضي والدتي ثم إنها تتماشى مع ذوقي عدا إنها صعبة المراس وعنيدة، في المرة القادمة سأحرص على الإختيار بدقة لاصبر لي على ترويض النساء) يضحك صديقه لكلامه، وأضحك أنا للصدفة التي طالما إنتظرتها، وجائتني أخيراً مؤكدة شكوكي. حينها فقط أطمئننت لحدسي وهدئت روع ضميري، أقنعته أن من حقي تركه، فلم أمتلك أساساً حيزاً في قلبه، على مدى عمر من الخسارات والخيبات المتوالية فقدتْ حواسي خصائصها، أصابني شيىء أشبه بالتحور فراحت عيناي تسترق السمع وقلبي يشتم المشاعر وأذني تحذرني الخطر الوشيك، وكم أثق بها! سعيدة إلى ما لا نهاية إن جنبني الله مثل هكذا زواج، إختصر عليّ حياة كاملة من الشقاء وتعاسة تمتد مع العمر وربما ورثّتها أولادي، فقط أردتُ حباً يتسم بالصدق والوفاء مكتفياً بوجودي من كل شيء حتى عن الهواء، لايتباهى بشيء عدا كونه حقيقياً، حقيقياً فحسب، فقط أردته صالحاً لكل أزمان عمري وأين مارحت أوليه وجهي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :