- فسانيا :: منى توكا
رغم كل التغيرات الاجتماعية و الاقتصادية التي تطرأ على مجتمعاتنا على مر السنين ، لا تزال قبائل التبو تحافظ على بعض تقاليد وعادات شهر رمضان الكريم مثل عادة “أزو Ôzuũ” التي ورثوها عن الأجداد وهي تعكس معاني و مفردات الرحمة والتآخي . فلشهر رمضان الكريم أو ” أزو Ôzuũ” بالتباوية عادات وتقاليد تختلف من إقليم لآخر باختلاف الثقافات وتنوعها.
الاحتفاء بمائدة “أزو Ôzuũ” الرمضانية
افتتح “إبراهيم الطاهر ” 35 عاما من سكان بلدية ربيانة حديثه بأنه “ككل المسلمين التبو يحتفون بتحضيرات رمضان قبل حلول الشهر بأيام” حيث “تعكف النساء التباويات على تجهيز البهارات وبعض أنواع المُحليات التي تُحضَّر من التمور ، وذلك بطحن التمر الجاف مع الكاكاوية وتسمى عند التبو بـ “ابر Abur” .
وأفاد ” وكذلك إن طبق معجون التمر بالطريقة التباوية ” تني كالا teni kalla” من أشهر الأطباق الرمضانية، ويحضر بنقع التمر في الماء يوما” كاملا” ، ثم تحمص بصلة مقطعة لشرائح وترفع من الزيت ويضاف إليها الدقيق وتحرك قليلا ثم التمر بعد تصفيته من الماء ثم تطحن بالمهراس الخشبي الخالص “يالا yala” وتوضع في أواني الحفظ .
و أعرب ” تقوم نساء التبو أيضا بطحن القصب مع الرز “انرا anura” حيث تفضلن طحنها يدويا باستخدام “يالا yala” .
العصرية لم تسرق طقوس ” أزو ” من قلوب التبو المتحضرين
و لمائدة رمضان في كل مجتمع خصوصية شديدة، وتقاليد متوارثة، وأطباق شبه يومية تسجّل حضورا مشهودا طيلة الشهر الكريم،و يتميز تقديم المائدة بترتيب تناول الأطعمة في رمضان حسب قائمة معينة، تبدأ بهذا وتنتهي بذاك. وقالت “داكيدة شدة ” 42 عاما من سكان منطقة أم الأرانب ” إن تقاليد الثقافة الغذائية لا يتخلى عنها حتى أبناء التبو المنفتحين على ثقافات أخرى كالغربية والعربية في المأكل والمشرب ، لذا تظل المأكولات الشعبية للتبو محافظة على مكانتها في المائدة التباوية الرمضانية رغم إضافة المعجنات والمأكولات العصرية.
“الهنغوسو ” والهولي تزينان مائدة الإفطار الرمضاني
وتحدثت “داكيدة” عن أهم هذه الأكلات التي لا غنى عنها قائلة ” إن “الهنغوسو Hoŋgosu” هي أكلة مهمة جدا عند التبو وتشبه قليلا “لقمة القاضي” عند العرب ولكنها رطبه ولا تعّسَل ، وتقدم عند أذان المغرب لكسر الصيام مع مائدة المرطبات والتي لا تخلو من المديدة التباوية التي تحضر من دقيق القصب والأرز والحليب وتسمى بـ “هولي Hôli” مع أنواع التمور التي تم تحضيرها مسبقا لاستقبال الشهر.
الكركنجي و التموسو يندثران من المائدة التباوية !
وأكد “عبدالسلام وامر ” 27 عاما من سكان مرزق إن هناك عدة تقاليد تباوية اندثرت ، فهناك مشروبات اختفت بسبب التأثر بالثقافات الأخرى بفعل التمدن ، ومن تلك المشروبات التي غابت عن المائدة التباوية عصير الكركدي والذي يسمى عند التبو بـ” الكركنجي Kôrkonji” وعصير التمر الهندي “تموسو tumuso” حيث استبدلت بالعصائر العصرية والجاهزة.
للرجال كوكبة إفطار و للنساء كوكبة أخرى
وعن طقوس رمضان يحكي ” إبراهيم الطاهر “بعد أداء صلاة المغرب جماعة، يجلس كل التبو مفترشين الأرض بحصير وهو عبارة عن بساط سعف نخيل يسمى “شغدي Šêgedi ” أو على سجاد الكليم الذي يسمى عند التبو “تبِّي tabe” لتناول الإفطار في تجمعات رجالية منفصلة عن النسائية تجمع العائلة والجيران ، ولايزال التبو في منطقته يحافظون على هذه العادة.
وأضاف ” إبراهيم ” تقدم المائدة التي لا تختلف كثيرا عن موائد باقي الليبيين ، حيث تتصدرها الشوربة بالإضافة إلى العصيدة سواء ” كانت “بالبامية الجافة ” أو “بالملوخية ” لكونها طبقًا خفيفا” غني بالمكونات الغذائية، وتقدم دافئة مما يسهل الهضم على المعدة التي تكون مسترخية طيلة نهار الصيام .
وأوضح ” إبراهيم “تعتبر العصيدة أيضا” الوجبة الرئيسة في السحور التباوي ، ولكن تقدم العصيدة هذه المرة باللبن أو حليب المعز .
حليب الإبل ترياق العطش في سحور رمضان
وذكرت ” كانجي موسى ” 90 عاما” من القطرون إن من المشروبات المحببة لدى التبو على السحور حليب الإبل فلهذا الحليب قدرة عالية على مقاومة العطش أثناء رمضان الحار ، كما أنه يساعد على حرق الدهون وتقليل الحموضة، ومقاومة بعض الأمراض .
وتحدثت الدكتورة ” صباح محمد ” 30 عاما من الكفرة عن فوائد حليب الإبل وذكرت إنه مصدر غني بالبروتينات، ويحتوي على مستويات عالية من البوتاسيوم والماغنيسيوم والحديد والمنجنيز والنحاس والصوديوم والزنك مقارنة بحليب البقر بالإضافة إلى احتوائه على كمية أقل من الكوليسترول، كما أنه يحتوي على فيتامين سي أكثر بـ 3 مرات والحديد أكثر بـ 10 مرات من مستواها في حليب البقر، وهذا ما يجعل التبو يقبلون على شربه ولاسيما في رمضان. وتنقضي أيام الشهر الكريم عامرة بالأنس ، بين افتتاح مائدة التبو بالهنغوسو و الهولي ليكتمل الاحتفاء بصناعة حليب الإبل في سحور مبارك يعيد إحياء إرث المائدة الشهي و روح التآخي بين الأهل و الجيران في رمضانيات التبو .