محفظة ليبيا أفريقيا للإستثمار في خطر

محفظة ليبيا أفريقيا للإستثمار في خطر

اتخاذ قرار بتعيين ولو لجنة تسييرية على محفظة ليبيا افريقيا للاستثمار ليس بالأمر السهل ، فجزء كبير من الاموال الليبية المجمدة والمقدرة بين 62 و85 مليار تملكهن هذه المحفظة الاستثمارية ، هل من المنطق المساس بإدارة هكذا مؤسسة بهكذا اسلوب ينمي عن حرص ،  فمهما بلغت خلافاتنا من اللازم حماية الاموال الليبية ، فالسراج يدعي أن اتفاق الصخيرات منحه صلاحية اجراء أي تصرف تنفيذي لصالح الوطن ، ومن يقرأ الخبر يظن ان السراج رئيس لمدرسة ابتدائية وليس محفظة استثمار وطني حتى يتسنى له اتخاذ قرارات مصيرية وبهذه السهولة ودون اي ضوابط ، كفانا ضحك على الذقون ، فسعادة بريطانيا وأمريكا بهذا القرار هي تعاسة للشعب الليبي ، فمن لم يقرأ نظرية الاستعمار لن يفهم مجريات الواقع والحدث ، نحن الآن في مرحلة حرجة بسبب الغباء الداخلي والتآمر الخارجي على العروبة والإسلام ، فالغرب له مشروعه والذي بدأ عمليا منذ مؤتمر لندن عام 1907م والذي شرعت فيه السياسة الاستعمارية ، فالغرب الاوروبي كان له هاجس السيطرة الدولية ، وبعد سقوط المناكف له وهو ( الحكم العثماني ) رأى من نفسه الوريث الوحيد للحكم العثماني ، بل رأى لزوم ضمان استمرار السياسة الاستعمارية حال قيامها ، وهذا النهج يشير إلى أن الدول الاستعمارية القديمة استفادة من تجربة السقوط الاولى ، وهو ما يؤكد تقرير رئيس وزراء بريطانيا الاستعمارية كامبل بانرمان campbell – bannerman   الذي أبداه في مؤتمر لندن الاستعماري عام 1907م ، والذي أشار إلى ( … إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتفوى ثم تستقر إلى حد ما ، ثم تنحل رويداً ثم تزول ، والتاريخ مليئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة ، فهناك إمبراطوريات روما وأثينا والهند والصين ، وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرها … فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون السقوط أو الانهيار ، أو تؤخر مصير الاستعمار الأوروبي ، وقد بلغ الآن الذروة … ) ، وقد بين هذا التقرير مبررات الغرب الاوروبي في استعمار الشرق الممتد من الهند وحتى سواحل موريتانيا والدواخل بقوله ( … أصبحت أوروبا قارة قديمة استنفذت مواردها ، وشاخت معالمها ؛ بينما العالم الآخر لا يزال في شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية … ؟ هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا … ) .

وقد خلص هذا المؤتمر الاستعماري الذي ضم النخب المثقفة والمتعلمة من الخبراء وأساتذة الجامعات في شؤون الاقتصاد والبترول والجيولوجيا والتعدين والزراعة والتاريخ والعلوم العسكرية إلى أن الخطر كل الخطر على الاستعمار الاوروبي يكمن في منطقة الشرق الأوسط الكبير الممتد من عمان شرقا الى موريتانيا غربا ، لما تتمتع به هذه المنطقة من معطيات القوة والتي ان استغلت فستكون نتائجها سلبية على اوروبا وسياستها الاستعمارية التي تهدف من خلالها سرقة مقدرات الدول النامية وعلى رأسها المنطقة العربية ، فقد أشار المجتمعون في تقريرهم هذا بـ ( … إن الخطر ضد الاستعمار يكمن في البحر المتوسط ، فعلى الشواطئ الشرقية والجنوبية لهذا البحر يعيش شعب واحد ، تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللغة وكل مقومات التجمع والترابط ، هذا فضلا عن ثرواته الطبيعية ونزعته للتحرر ، فلو أخذت هذه المنطقة بالوسائل الحديثة ، وإمكانيات الصناعة الأوروبية ، وانتشر التعليم بها ، فستحل الضربة القاضية بالاستعمار الغربي – فيجب اذا على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزؤ هذه المنطقة ، وإبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتأخر … ) .

إن منطق الحال يؤكد أن لا مبرر لتغيير الغرب لسياساته تجاه المنطقة ، فمقاصد الاستعمار قائمة ، وقائم مع هذه المقاصد خطر اهدار الأموال والثروات الوطنية ، وإذا كان سبب الاستعمار الاوروبي للمنطقة هو نفاذ ثرواته ، فمن المؤكد أن هذا النفاذ لا يوجد له تجديد ، فالثروات الطبيعية اذا ما استنفذت لن تعوض ، لهذا فالنهج الاستعماري لابد أن يكون قائما ، وهذه هي طبيعة الحياة ، فالتدافع الانساني سيكون مستمر خاصةً إذا ما تلازم هذا التدافع مع غياب السلطة والقانون على المستوى الدولي وبالصورة المنشودة ، وما يزيد التأكيد على استمرار النهج الاستعماري لأوروبا هو استمرار الصهيونية حليفة الغرب في السيطرة على الأرض ، فالصهيونية وعلى الرغم من كونها كيان مستقل عن الغرب من حيث منشأها وأهدافها إلا أنها إحدى مخرجات مؤتمر لندن الاستعماري ، فالغرب أشاروا في تقريرهم الاستعماري المسمى بتقرير كامبل بانرمان إلى أنه من اللازم ( … على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزؤ هذه المنطقة ، وإبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتأخر ، وهذا يستلزم فصل الجزء الإفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي . وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب ، يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا ، بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة … ) ، وقد تحقق هذا الحاجز من خلال منح الصهيونية أرض فلسطين على طبق من ذهب من قبل الاستعمار الاوروبي وعلى رأسه بريطانيا الاستعمارية ، بصك بلفور الذي هدف من خلاله تأمين استمرار الاستعمار الغربي في مناطق الدول النامية والضعيفة .

إن من أهم ما يؤرقنا في هذا النهج هي سياسة التقسيم ، غاية في جعل المنطقة في حالة ضعف ، وهذه السياسة تحفظ للاستعمارين الصهيوني والأوروبي مصالحهما ، وهو ما نعاني منه الان ، فتقسيم السودان قد حدث ، والعراق على وشك ، أما الباقي في الطريق ، وليبيا تدفع دفعا نحو هذا الهدف وعلى نار هادئة ، ولا يتصور تحقق هذا الأمر في ظل الوفرة المالية للدولة ، لهذا تركت ليبيا وحيدة من قبل دول الاستعمار التي كان لها الفضل العميم في نجاح انتفاضة فبراير ، ولو كان لهم حرص على أرواح المدنيين لساهموا في لملمة شعث هذا الشعب من خلال الضغط على كافة الاطراف للقبول بمباديء العدالة والقانون ، فاستبداد اليوم أروع وأشد وأبطش ، ولا يُتَصَوَرُ وقوع هذا الحرص لأن الغرب لا يريد الخير لأوطاننا  وسينصفنا الحق ، وبعد خمس سنوات من حراك فبراير لم يجني الشعب إلا ما جنته فلسطين والعراق من قبل ، وهو ما ستجنيه باقي الدول من بعد ، ولكي يكتمل مشوار الدمار وتتحقق السيطرة الاستعمارية من جديد على المنطقة لابد من دفعها في اتون الافلاس ، وهو ما نخشاه بل نراه بحكم التجارب القريبة الماضية والتي لم تنتج إلا السراق والمحتالين والخونة ، فالمجلس الرآسي والذي لا يمثل أي شرعية سياسية وقانونية وموضوعية اتجه اتجاه خطير عندما مس بمؤسسة الاستثمار ، فبحكم كون مركزها المالي الكبير يفترض أن تحاط بضمانات حقيقية تؤمن لنا هذا المخزون الاستراتيجي من المال ، وللأسف ، بجرة قلم ، وبدردشة نفر قليل تغير الكوادر المسؤولة على تسيير هذا المرفق الهام ، إن هذا الإجراء جعل من الليبيون عموما ومن يمثلهم في البرلمان خصوصا طراطير لا قيمة فعلية لوجودهم ، فالسراج يقولها علنا “شرعيتي من المجتمع الدولي” والأصح من اقطاب المجتمع الدولي ، بل لا يحق لمجلس النواب إلا الموافقة على اتفاق الصخيرات كما أملي .

ان طريقة المجلس الرآسي في تعامله مع الواقع يؤكد أن القادم أسوأ ، فهو يضع ليبيا بين كل ما هو مرفوض ، فبرقة لن تخضع والليبيون لن يصمتوا والتاريخ لن يرحم ، وما سعادة دول الغرب بخطوة السراج في تكليف ادارة مجهولة لمحفظة ليبيا افريقيا للاستثمار إلا تعاسة حقيقية للشعب ، ولا نرى بصحة احداث أي تغييرات على هكذا مؤسسات مؤثرة إلا بعد الرجوع لكامل الشعب ، ولا يغيب على أحد أن اتفاق الصخيرات مؤسس على التوافق ، بل ان أي قرار للمجلس كان من المفترض أن لا يصدر في ظل غياب طرف هام من الدولة وهي برقة وما يعنيه هذا المسمى من كفاح ونضال وثروات ، فصدور القرارات المؤثرة مالية وفي غياب أطراف وأجزاء من المجتمع لا يعكس إلا عملية قرصنة حقيقية ، المناطق تقدم ثرواتها بصمت لمن لا يمثلها ، وتسير إلى من لا يستحق ، هذا الأمر غير مقبول أبداً وعلى الشعب التحرك لحماية أنفسهم وأموالهم ، وما علينا بعد تحرير بنغازي وسرت والموانئ النفطية إلا اجراء ما سيرفضه الاستعمار وهو الانتخابات البرلمانية والرئاسية وبأسرع وقت ممكن ، لنقطع الطريق أمام كل من يسعى لتنفيذ أجندات الغرب على حساب الوطن ، وهذا الأمر يتوقف على مدى ايجابية القوى الفاعلة على الارض ، فتوافقها السياسي ضرورة وطنية يجب أن تتحقق ، حفظ الله ليبيا وأهلها .

علي ضوء الشريف

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :