مخازني

مخازني

محمد الزروق

 توقفت قليلا محاولا أن أثني شحمة أذني دون أن أرفع يدي، فلكأنني سمعت اسمي ينادي به شخص ما على استحياء داخل السوق الاستهلاكية التي أزورها من حين لآخر في نهاية يوم عمل. لأسمائنا الشخصية ترددات أعلى من كل الكلمات الأخرى، وآذاننا حساسة لها بشكل يفوق غيرها، فتلتقطها في الضوضاء والكلمات المبعثرة في الزحام، بل حتى في دوي قصف مدافع الحرب التي زارت المدينة في الآونة الأخيرة. السوق شر الأماكن؛ أؤمن بهذه العبارة تماما، ربما لأسباب مختلفة، فكلنا لنا أسباب متباينة حيال ذات القضايا. السوق شر الأماكن، والحروب شر الخطوب.

للمرة الثانية، سمعت اسمي ينادي به شخص ما همسا، أو الثالثة ربما. هل يشتكي صاحب الصوت من ضعف في حنجرته؟ أستشعره يقف خلفي تماما. قررت أن ألتفت وأنا أضع سلعة غير ضرورية من على الأرفف في عربتي. التقت عيوننا الأربعة ببعضها. ارتفع الصوت قليلا. أنت هو إذن! خجلت من أنادي بصوت مرتفع فأكتشف أنني واهم، فقد بات هذا الأمر يحدث كثيرا معي. قالها محدثي الذي قفز من بين كل الأحداث والخطوب، تلك الأحداث التي حاقت بنا في العقدين الأخيرين من الزمن. كان الاحتضان المفاجئ كفيلا باختصارها كلها وكأنها ومضة.

كنت ألبس بدلتي الرسمية، بدلة ضابط شرطة، تزينها رتبتي على الكتفين. بسرعة ركنت عربتي جانبا، فلزملاء الدراسة والعمل القدماء حديث لا ينتهي. كان في يوم من الأيام صديقا حميما، فرقتنا أشياء كثيرة، تغيرات سياسية وتقلبات وهجرة وحروب ونزوح. “اسنيس! لم نلتق منذ عشرين سنة”، هتف السنوسي قائلا، فيما كانت ذاكرتي تحاول أن تستجمع آخر لقاء لي به، أردف ليكفيني مغبة البحث في تلافيف دماغي المنهك: “حمادينا! المرة الأخيرة التي التقينا فيها كانت في فندق الودان في طرابلس قبل عشرين عاما. “أوف نعم! تذكرت“.

في نهاية المطاف أصبحت مخازنيا والمثل يقول رافق كلب حاشاك ولا ترافق مخازني.

نفترق لربع قرن ونلتقي على إهانتك!

أنا أمزح وحسب.

دار حديث الذكريات في الممر، فيما نظر إلى ساعته خلسة، فتداركت الأمر وأردفت:

الوقت متأخر.

تبادلنا أرقام الهواتف بسرعة مع وعد باللقاء والحديث، وخرجت مسرعا إلى سيارتي المركونة بحرص في المكان المعد لها. فوجئت بسيارة تسد علي طريق الخروج. تأففت وأنا أنظر إلى السيارات المركونة بزوايا حادة ومنفرجة ومنعكسة وقلت متمنيا:

–  لولا أن آخر أفسح لي المجال.

 حررت مخالفة لصاحب السيارة الفخمة الوقحة التي لا تأبه بمشاعر الناس ولا لأوقاتهم، ومضيت في حالي. كدت أصل إلى البيت ليفاجئني الهاتف برنينه. (اسنيس!). هكذا أعلنت شاشة الهاتف الصغيرة.

كيف صار يا سنوسي؟ اشتقت إلي بهذه السرعة؟

– نعم يا حمادينا. علينا أن نلتقي بسرعة. علينا أن نلتقي في أسرع وقت لتلغي لي المخالفة التي حررتها لسيارتي قبل دقائق.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :