مداخلة حول حيادية الهيئة الأممية في تعاطيها مع الشأن الليبي

مداخلة حول حيادية الهيئة الأممية في تعاطيها مع الشأن الليبي

  • محمد عثمونة – كاتب ليبي

دعني أقول من البداية . بأن الهيئة الأممية . عندما تُسّند لها مهمة من طرف المجتمع الدولي . كما حدث من تكليف لها لمعالجة التأزم الليبي . بغرض إيجاد مخرج له . يُبّعده عن أن يكون أو يكوّن أرضية لإرهاصات محتملة لتأزم داخلي . إقليمي . دولي . ففي تقديري . وبحكم المسؤولية الثقيلة التي حُمّلت بها . لا يجب أن تكون الهيئة وليس من مهامها أن تكون حيادية . لأن الحيادية هنا . وفي هذا الموّضع قد لا تكون ذات مردود إيجابي يخدم في مخرجاته مسّعى الهيئة الأممية . وبقول آخر . بأن الهيئة الأممية في هذا الموّضع . يجب أن تكون منحازة . وبدون مواربة إلى رؤياها التي يفّترض بأنها قد سعت إلى تكّوينها . حول التأزم الليبي الذي عصفت به حالة اللادولة على امتداد عقود طويلة . ومن الطبيعي أن تكون الهيئة قد خلصت إلى رؤياها هذه عبر قراءة ومقاربة موضوعية لهذا الشأن المتأزم . أعني هنا بأن رؤيتها يجب أن تتكئ على ثوابت يصعب الطعن أو التشكيك فيها . وهذه الثوابت عندما تُعّتمد كأساس ومنّطلق لتفكيك التأزم الليبي في حالتنا هذه ستنتهي إلى صالح المجّمل الليبي ومحيطه القريب والبعيد . وفيه أيضا خدمة لِما جاءت الهيئة الأممية من أجله إلى دنيا هذا العالم البائس . ومن كل هذا تُخّلق الأرضية الصلبة المتينة التي تستند عليها الهيئة وتُسّندها أثناء تعاطيها مع الشأن الليبي عبر وخلال ذهاب الهيئة في اتجاه كل الأجسام والمفردات والتوجّهات التي يتشكّل منها التأزم المعّضلة . بغّية الاشتغال عليه بالعمل على تطّويعه بما يتوافق ويخدم توجهات الهيئة الأممية في رؤياها . ومن هنا .لا يجب أن تذهب الهيئة إلى غير هذا السياق . كأن تسعى ومن خلال ما يٌزعم أنه حِيَاد إلى خلق توافقات وموائمات بين هذه الأجسام والمفردات التي يتشكل منها التأزم . فهذا في تقديري . فعل لا ينتهي إلى تفكيك التأزم بل إلى تعميق وتجّذير لحالة اللادولة الذي نعاني منه منذ عقود طويلة داخل الجغرافيا الليبية . * فمن الثوابت الثلاثة الأساسية التي يجب أن ترتكز عليها الهيئة الأممية في تعاطيها مع التأزم الليبي . (الواقع الجغرافي لليبيا) . فلا أحد يستطيع أن يشكك بأن ليبيا . وبحكم الواقع الموضوعي مفردة جغرافية من مفردات شمال غرب أفريقيا . ونتج عن هذا الواقع وتفاعله مع محيطه . وشائج شدّت وربطت الجغرافيا الليبية بالإقليم . فكانت هذه الوشائج أداة تواصل مع هذا الوسط الإقليمي . فتدخل وشارك بها وعبرها في تشكيل وصياغة هذه التي نسمّيها ليبيا . وهى أيضا قامت بذات الفعل والتأثير في محيطها الجغرافي . ومن هنا لا يجب ولا يصح أن نقفز من فوق هذه الحقيقة أو نتجاهلها وبقول آخر لا يجب إبعاد هذا الواقع وإغفاله عند تداول الشأن الليبي . لأن في ذلك محاولة لاجتثاث ليبيا من إقليمها الجغرافي الطبيعي . ولكن هنا لا يجب أن يُفّهم الاجتثاث بالمعنى الظاهر للكلمة . بل بالمعنى التَفاعُلي . فمثلا . عندما نقّبل أن تتحول الجغرافيا الليبية إلى بؤرة لنشر التوتر والخراب داخل إقليمها القريب والبعيد . ونجد لهذا . ظهيرا دوليا يؤمن لها غطاء فى داخل مجلس الأمن فسيكون من الطبيعى مُشاهدة المحيط الجغرافي القريب والبعيد لليبيا . وهو يذهب نحو خلق موانع وعوائق بينه وبين هذه الجغرافيا المليشياوية كي يعيق بها ويمنع انتقال الخراب والتوتر إلى فضائه . والشاهد الساطع على هذا الأخدود المائي المسنود بجدار إلكثروني المقام ما بين الجغرافيا الليبية والشقيقة تونس . وهذا وبدون شك وجه من وجوه العزل والاجتثاث . والغريب أن تجد لهذا العبث . ظهيرا وغطاءً دوليا في داخل مجلس الأمن . فهل يسعى هذا الظهير بفعّله هذا . لخلق الظروف والبيئة المناسبة التي تُمكّنه من طي الجغرافيا الليبية . كملف إو إضبارة تحت إبطه . ليتعامل ويتعاطى معها . ليس غير أطيان وأقنان يوظفها في خدمة بلاده . كنت أحاول أن أقول هنا . بأن المرتكز الجغرافي واستخدامه كمدّخل إلى تفكيك التأزم الليبي . يهدف إلى جعل الجغرافيا الليبية ذات تواصل طبيعي بناء مع محيطها الإقليمي القريب والبعيد. وفي هذا استدراج للأمن والاستقرار إلى الكيان الليبي وليس العكس . وخطوة في اتجاه تعميمه إلى محيطها الإقليمي . وفيه إبعاد للجغرافيا الليبية على أن تكون مرّتكزا للتوتر والقلاقل والخراب داخل فضائها الإقليمي . ومن هنا واستنادا على ما سبق على الهيئة الأممية ألا تقبل . بأن تتعاطى مع الشأن الليبي خارج هذا الإطار الجغرافي . سواء كان هذا التعاطي على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي . ** من الثوابت التي لا يطالها التشكيك . بأن ليبيا مفردة من مفردات دول حوض المتوسط . فهي تتموّضع على حيز ليس بالقليل من الضفة الجنوبية لهذا الحوض الحيوي . ومكوّن ليبيا الديمغرافي يُعد من ضمن تشكيل الخريطة الديمغرافية لحوض المتوسط , وجغرافيا ليبيا من المفردات التي تُشكل فضاء الحوض الجغرافي . وبحكم التفاعل التاريخي لا شك بأن لليبيا بصمة على ثقافة حوض المتوسط . وبكل هذه الارتباطات الموضوعية . لا يجب التشكيك فى علاقة ليبيا بهذا الحوض الحيوي أو الطعن فيها بتصّويرها . بأنها كانت وعلى الدوام علاقة سالبة أو نقبل بتوّظيف هذه التُرّهات من طرف أصحابها في تبرير الابتعاد بليبيا عن نسج علاقة متينة . بدول الحوض بضفتيه الشمالية والجنوبية . ومنّعها من توظيف هذه الثوابت الموضوعية . بما يعود عليها بالنفع والنماء وعلى الحوض ودُوَله بالسلام والرخاء . بل أستطيع أن أقول آنه من الغفّلة بمكان ألا يُعطي هذا الحوض في دُوَله الأولوية في التفاعل الإيجابي البناء . اقتصادي . أمّني . تجاري . ثقافي . الخ . على بقية الفضاءاعلى بقية الفضاءات الأخرى . للاعتبارات السالفة الذكر . ومن هنا . يجب على الهيئة الأممية . إقحام دُوَل هذا الحوض وخاصة دول غرب المتوسط . واعتمادها كمرّتكز أساسي قبل غيره من الفضاءات الأخرى . أثناء تفاعلها وتعاطيها مع التأزم الليبي لما في ذلك من مردود إيجابي , منتج وهام . تُدعمه كل المشّتركات التي عددناها .
* كذلك من الثوابت الأساسية . التي يجب أن ترّتكز عليها الهيئة أثناء تعاطيها مع الشأن الليبي . تتمثل في جمّلة مواثيق الهيئة . التي تضبط توجهاتها ومساراتها . ومنها العمل على زيادة وتوسيع رقّعة النظم الديمقراطية على حساب رقّعة نقيضها التعسّفي على مساحة جغرافيا هذا العالم البائس . فيجب أن يكون هذا التوجّه ظاهرا وصريحا في تعاطيها مع الشأن الليبي . . فالهيئة لم تأتِ إلى الجغرافيا الليبية . بهدف فض تنازع بين دولتين . فيكون من واجبها حينها . السعي نحو خلق توافقات وموائمات . لتصل بهما إلى حل توافقي يُرّضي المتنازعين . بل جاءت الهيئة الأممية إلى ليبيا . بغرض مساعدتها على الانتقال من حالة اللادولة إلى التأسيس لدولة . وبقول آخر . جاءت الهيئة الأممية . لخلق الأرضية والبيئة المناسبة . لولادة دولة ديمقراطية . تنهض على قواعد ومؤسسات دستورية . تنبثق من خلالها . دولة المواطنة المأمولة . دولة كل الناس .
وأضيف قبل أن أصل إلى نهاية القول . بأن هذه الثوابت الثلاثة – في تقديري – هي المرّتكز والمدخل الوحيد . الذي نصل به إلى دولة ليبية مستقلة . دولة كل مواطنيها . وأي سبيل غير ذلك – في تقديري – سيصل بنا إلى غير ما يريد الليبيون .ولكن دعوني أقول وفى المجّمل . على الهيئة الأممية ألا تنصاع أو تنساق وراء تعاطٍ لا يتوافق ويخدم ما جاءت به مواثيقها في توجهاته الإنسانية أو إلى ما يجعل من الجغرافيا الليبية مرّتكز توتر وقلاقل ونشر خراب في الإقليم وحوض المتوسط . أو إلى جعل الجغرافيا الليبية . إضافة نوعية تتّسع وتتمدد بها مساحة جغرافيات العسّف والجور على رقعة هذا العالم البائس . وإذا شعرت الهيئة الأممية بوجود تيار دولي قوي . يدفع بها في هذا الاتجاه . فيكون من واجبها ألا تقبل . وتذهب في اتجاه الاعتذار – كشخصية اعتبارية – عن مهمتها بليبيا . حفاظا على مصداقيتها . واحتراما لِمَا يحمل ميثاقها في طياته من مضامين إنسانية .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :