مَوْقِفُ الشّيْخ أحْمَد زَرّوق مِنْ ثَوْرَة فَاس سَنَة 869هـ – 1465م

مَوْقِفُ الشّيْخ أحْمَد زَرّوق مِنْ ثَوْرَة فَاس سَنَة 869هـ – 1465م

  • علي الشريف

كانت فاس حتى العام 869هـ – 1465م تحت حكم آخر سلاطين دولة بني مرين عبدالحق المرني الثاني ، وكان له وزراء يهود أثخنوا في فاس ظلماً وجوراً حتى وصل بهم الأمر إلى الاعتداء بالضرب على امرأة شريفة من الأدارسة ، فاستنجدت إليهم برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقفوا الضرب ، فاشتد غضب اليهودي بسماعه لاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثقل في الضرب ، مما أثار حفيظة الناس بما سمعوا ؛ فتوجهوا إلى مفتي فاس أبي فارس عبدالعزيز الورياغلي ؛ فأفتى لهم بالخروج على عبدالحق وإزالته ، وقد تم لهم ذلك ، ونصبوا خلفاً له ( أي لعبدالحق المرني ) نقيب الأشراف الأدارسة أبوعبدالله الحفيد محمد بن علي بن عمران الجوطي حاكماً على فاس . في خضم هذه الأحداث كان الشيخ أحمد زروق يعيش في فاس ، ويشاهد الأحداث بل ويتفاعل معها ، وقد كانت له مواقف ملفتة مع هذه الثورة أوْدَت به خارج المدينة مرفوضاً من قبل مؤيديها خاصة شيخه وابن عمه مفتي فاس أبي فارس عبدالعزيز الورياغلي ، وكذلك شيخه أبوعبدالله أحمد بن عبدالله الزيتوني القادري ، حيث رأى فيما حدث في فاس نقضاً للبيعة الشرعية التي أعطاها أهل فاس لعبدالحق المرني ، وخرجاً غير مشروعٍ على سلطانٍ شرعي ، وأن أسباب الثورة لا تبرر حدوثها وترتيب ما رتبته من نتائج ، بل إن الموقف يستدعي الصبر على الحكام فحسب لا إدخال البلاد في فتن لا تحمد عقباها ، لهذا وجد الشيخ أحمد زروق نفسه خارج فاس تتلقفه الأقدار المؤلمة والتي كادت تودي بحياته ، فقد اتهمه أهالي المناطق التي مر بها بانتمائه ليهود فاس وذلك لسببين ، الأول / لصفاته الجسمانية حيث كان أبيض البشرة مائلا إلى اللون الأزعر ( الأربد ) أي أبيضاً مشرباً بحمرة ؛ وهذا ما دفع الناس للاعتقاد بأنه من الجالية اليهودية ، الثاني / خروجه من فاس في الوقت الذي فر فيه يهودها ، وَلَكِنَّ لُطْفَ الله قريب من المحسنين ، فعرفه من سخره الله ليكون سببا في نجاته ، فَعَرَّفَ الناس بمقامه . بعد عام من الثورة والتهجير ؛ أي في العام 870 هجرية تحديداً ؛ رجع الشيخ أحمد زروق من تلمسان إلى فاس ، والتزم شيخه الزيتوني من جديد ، إلا أنه لم يغير من رأيه شيئا تجاه مسألة الخروج على السلطان عبدالحق المرني ، حيث ذُكِرَ بأنه وأثناء رجوعه إلى فاس التقى بسلطانها الجديد الشريف أبوعبدالله الحفيد : محمد بن علي بن عمران الجوطي فطلب الأخير منه اللقاء فتحاشى الزروق ذلك ، كما أنه طيلة فترة حكم الشريف الجوطي والتي استمرت حتى عام 875 هجرية لم يسجل على الشيخ أحمد زروق رحمه الله أي تقرب من السلطة السياسية ، وهذا الموقف ليس نابعاً عن خلاف شخصي أو موقفٍ تجاه الأدارسة ، “فهو يجلهم ويوقرهم بل وينصح الناس بحفظ مكانتهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم” إنما هو مؤسس على رؤية دينية ، وما يؤكد ذلك هو استمرار نمط تعامله مع السلطة القائمة في فاس بعد سقوط حكم الشريف الجوطي في العام 875 هجرية وتولي محمد الشيخ الوطاسي زمام الحكم فيها ، حيث إنه وبعد رجوعه من رحلته المشرقية سنة 878 هجرية ، توقف على أسوار مدينة فاس وامتنع عن دخولها ونصب خيمته خارجها ، فاستقبل فيها العلماء والأعيان ما أثار ذلك حفيظة السلطان محمد الشيخ الوطاسي ، لأن هذا الموقف فيه رسالة سلبية من الشيخ أحمد زروق مفادها أنه غير راضٍ عنه ربما بسبب تفريطه في مدينة أصيلة للمستعمر البرتغالي ، وخشي السلطان الوطاسي من الشيخ أحمد زروق لما في موقفه بالبقاء خارج فاس تأليبا للرأي العام على سلطانه ، فأخذ الوطاسي المبادرة في الحرب الباردة فألّب علماء فاس على الشيخ أحمد زروق ، هذا ويذكر أن هذا الموقف للشيخ أحمد زروق مع السلطان الوطاسي جاء رغم كون أن الوطاسيين أبناء عمومة المرنيين الذين رفض الشيخ إطاحة أهل فاس بابن عمهم السلطان عبدالحق الثاني المرني ، ورغم كون أيضاً قبيلة البرانس التي ينتمي إليها الشيخ مناصرة للسلطان محمد الشيخ الوطاسي . وخلاصة الحديث في هذه المسألة إن آراء الشيخ أحمد زروق في الحكم والسلطة وعلاقة الراعي بالرعية والعكس مؤسسة على قواعد الدين ، فلم يتأثر في آرائه بالتزام شيخ أو موالاة عصبة ، فالخوف من البشر والطمع في الدنيا لم يكن لهما حظ في نفسه الطاهرة الأبية ، وبرزت مواقفه الصلبة لحبه لله وخشيته منه ، فلم يداهن ولم يوالي ، وعاش صابرا محتسباً ، وترك لنا مهنجا قويمًا في التعامل مع السلطة وما تمر به من أحداث ، فلم يألف السلاطين ، ولم يحرض عليهم بسبب أخطائهم فهم بشر ، ولكن وإن لم تعد السلطة السياسية ترى في استشارة ونصيحة العلماء أمراً ملزماً إلا أنه أوجب النصيحة لها ، وقد ترجم ذلك بعد رجوعه من رحلته المشرقية سنة 878 هـ بتقديمه لكتابين هما : النصيحة الكافية التي ألفها بمصر أواخر سنة 877هـ والنصيحة الصغرى التي ألفها بالجزائر أوائل سنة 878هـ ، ويذكر أن في مؤلفه النصيحة الكافية لوم وعتاب قض مضجع السلطان الوطاسي ، حيث أشار الشيخ أحمد زروق في مقدمة هذا المؤلف تعليقاً له على الحديث النبوي [[ الدين النصيحة …]] إلى أن (( ..النصيحة لعامة المسلمين بالذب عن أعراضهم ، وإقامة حرمتهم ، والنصرة لهم في جميع أحوالهم جلباً ودفعاً )) وقيل إن هذا القول هو إسقاط من الشيخ الزروق على السلطان الوطاسي الذي لم يذب عن أعراض المسلمين في مدينة أصيلة ولم يقيم حرماتهم ولم ينصرهم بدفع العدو البرتغالي عنهم ، ورغم ذلك لم نرَ الشيخ يحرض بالخروج على السلطان الوطاسي لأسباب لا نعلمها ، وفي جميع الأحوال فإن عدم تحريض الشيخ الزروق على السلطان الوطاسي رغم موقفه من أصيلة لا يعني رفضه لمسألة الخروج بالمطلق ، فقد ذكر في مقدمة النصيحة الكافية أن (( … النصيحة لخاصة المسلمين بالطاعة للأمراء إلا في محرم مجمع عليه ، والتصديق للعلماء إلا فيما لا يهدي العلم إليه )) . في النهاية إن صدق اعتقادنا بأن الشيخ الزروق مؤمن بأن ما فعله الوطاسي يدخل في إطار الحرمة المجمع عليها فهذا يعني أن الخروج على الحاكم لا يتحقق بوقوع الفعل المحرم

فقط ؛ بل بضرورة تحقق مصلحة المسلمين من الخروج ، إذ كيف بالله ستتحقق هذه المصلحة والمسلمون في ضعف وشتات ؟ فرب ثورة أعقبت نكبة وخسرانا عظيما .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :