مُذَكِّرَاتُ اِمْرَأَةٍ عَمْيَاءُ (4)

مُذَكِّرَاتُ اِمْرَأَةٍ عَمْيَاءُ (4)

كتبت / صافيناز المحجوب

قال أحدهم : (إنك لا تعدم أن ترى في كل مجتمع أناسا لا يسهل على أنفسهم الوقوف على الأبواب وتعليق الآمال بذي جاه أو سلطان قد يرقبون العطاء إلا أن عزة نفوسهم عودتهم التكفف)، المجنون الأنيق هكذا أسميته لطالما استغربت هذا التناقض بين جنونه وملابسه النظيفة المرتبة فلا أذكر له شعرا أشعث أغبر ولا أسمالا بالية متهلهة وما زاد عجبي وتعجبي هو قوله لي كلما رأني وبصوت عال ( كي ما يجيك الزمان تعال ) لم ألقى بالا فمن يهتم لحديث مجنون فاقد للأهلية ونشأت بيني وبينه تلك الألفة بحكم التعود على رؤيته كل يوم وفي نفس المكان وشغلتني أعباء الحياة وفي يوم افتقدت المجنون فلم أره منذ أكثر من أسبوع. في طابور المصرف الطويل الكل في انتظار منظومة المصرف أن تخرج عن إضرابها عن العمل المتكرر سألت صديقتي ألم تري المجنون ضحكت بخبث ربما وجد حبيبة أخرى ابتسمت لها ابتسامة صفراء ,التفتت عجوز ذات وشم تحت ذقنها هل تسألي عن مفتاح المسكين؟ لقد مات نظرت باستغراب هل تقصدين المجنون قالت بعد أن لوت شفتيها في علامة على التأسف وأقتربت حتى التصقت بجانبي (تعالي نحكيلك قصة مفتاح المسكين ) مفتاح موظف في الدولة راتبه لا يكاد يكفي إطعام الأفواه السبعة في بيته ومع حالة المصارف ونقص السيولة فتح كشكا من الصفيح وأخذ يبيع البنزين المعبأ في (بانقات مياه الشرب) مستغلا منع دخول الوقود للمدينة وابتسمت الحياة قليلا في وجهة مفتاح وأصبح يرجع لأطفالة بما يحتاجون من طعام ولكن دوام الحال من المحال وحلت أزمة البنزين وتوافر فالمدينة وجلس مفتاح المسكين يبحث عن حل آخر أو ربما أزمة أخرى في المدينة لتكون فرصة يجني منها بعض الدنانير وبدأ في جمع الأغطية البلاستيكية بعد أن قيل بأن مصنع البلاستيك يعاني من نقص في المادة وانحنى ظهره وهو يبحث في الأزقة وفي حاويات القمامة عن تلك الأغطية ولأن الزمان لم يأتي ولم يذهب مفتاح له فقد حلت أزمة المصنع وعاد مفتاح يجلس ويفكر كيف يطعم أطفاله السبعة وعلى الهرج والمرج في المصرف وعادت الطوابير كنمل منظم بعد أن عملت المنظومة المصرفية وتركتني العجوز في حيرتي والسؤال لماذا فقدت عقلك يا مفتاح ؟ لم يكن الأمر سهلا فالجميع يعاني في ليبيا إلا من ضحك له الزمان مفتاح مثال صغير للمواطن الليبي الذي ضاق الجوع والحرمان ولا يزال يعاني لقد ضاقت مساحة الحياة الكريمة حتي أمست في حجم رقعة الشطرنج ولم تعد الأرض تتسع للجميع إلا لمن امتلأت جيوبهم وحساباتهم المصرفية وأصبحنا نقبل صدقات منظمة اليونسيف وعطفها بارك الله فيها علينا ، إن كل ما يصنعه المرء هو نتيجة مباشرة لما يدور في رأسه فكما أن المرء ينهض على قدمية وينشط وينتج بدافع من أفكاره كذلك يمرض ويشقى بدافع من أفكاره أيضا، مفتاح الذي طوع زمانه ليعيش ،عانده زمانه وأوصله أن يبحث في حاويات القمامة ليفقد عقلة في نهاية مأساوية بسبب وحش الجوع والعوز أيها الشعب لنكن أقوياء لا تهزنا النوائب ولنحيط قلوبنا يإطار من الصلابة والقوة حتى لا تركعنا الحياة لمتاعبها ولتثور دمائنا عنادا وكفاحا فإما أن نسود الحياة أو تفقدنا

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :