نغمات فيها متعة .. وشفاء !

نغمات فيها متعة .. وشفاء !

فريدة الحجاجي

عندما كنت فتاة صغيرة ذات سنوات عشر كان لدي حلم جميل وهو ان اصبح يوماً ما (مايسترو) اوركسترا سيمفونية ! فقد كنتُ (ولازلتُ) اعشق الموسيقى ، ومنذ الصبا أتقنت العزف على البيانو وعلى آلة الاوكورديون وشاركتُ في كل الانشطة الفنية التي كانت جزءً لا يتجزأ من النشاط المدرسي في زمن المملكة .. وفي صيف عام 1968 كنتُ أصغر العازفين في الوفد الليبي الرسمي المشارك في مهرجان شبيبة المغرب العربي الذي أُقيم في الجزائر . مرت الايام ولم يتحقق حلمي الصغير .. ولكن عشقي للموسيقى تنامى وازداد بمرور الوقت ، فعندما أباشر عملي أو أجلس للكتابة تكون الموسيقى الكلاسيكية مساعداً على التركيز ومنبعاً للإلهام ، وعندما أتريض تصاحبني الموسيقى الايقاعية لتبث في بدني الحيوية والنشاط ، وإن اصابني الاكتئاب اجد في الموسيقى المرحة الصاخبة ترياقي ، اما الموسيقى النشطة فهي رفيقتي في المطبخ وعند قيامي بأعمالي المنزلية ، وإن أردت الاختلاء بنفسي والانتقال الى عالمي الخاص تكون موسيقى الأغاني القديمة أنيسي وأفضل جلّاسي .. فأنا أعيش وأحيا مع الموسيقى وبالموسيقى ! قد يظن البعض ان الموسيقى هي مصدر للمتعة واللهو فحسب ، بينما في الواقع لها تأثير كبير وعميق على حياة البشر !

فقد أُستخدمت كعلاج منذ قديم الزمن لطرد الارواح الشريرة وكوسيلة علاج للامراض في المعابد المصرية القديمة ، الفيلسوف اليوناني ارسطو ذكر بأن الموسيقى تؤثر على الروح ووصفها كـ (قوة) تُطهّر المشاعر ، والعالم والفيلسوف المسلم يعقوب بن إسحاق الكِندي قال : إن كل وتر وتنظيمه وايقاعه يؤثر على “منطقةٍ ما” في الجسم ! وكان الطبيب والفيلسوف العربي ابو نصر الفارابي أول مَن استخدم الموسيقى في العلاج وكانت له رؤية اوردها في (كتاب الموسيقى الكبير) ، كما استخدمها ابن سينا في علاج مرض المالنخوليا .في زمننا الحالي اصبح العلاج بالموسيقى معتمداً في عدة دول حول العالم ، وهو احد العلاجات المساندة للعلاجات الطبية الاخرى لتحسين الحالة العقلية والبدنية للمريض .أول برنامج يتمّ تدريسه للعلاج بالموسيقى كان في عام 1944 بجامعة ميتشيغان في امريكا ، أما في منطقتنا العربية فقد افتتح اول مركز علاج بالموسيقى في مصر عام 1950 تبعتها تونس ثم الاردن بعد ذلك . وفي لبنان قامت الدكتورة (حمدة فرحات) بابتكار عدة طرق لعلاج الاكتئاب والقلق والافراط الحركي والادمان باستخدام الموسيقى ، ولاقت طريقتها نجاحاً كبيراً وبديلاً فعالاً للادوية دون عوارض جانبية ، وتدخل الموسيقى اليوم في علاج اطفال التوحد والذين لديهم مشاكل سلوكية او صعوبة في التعلم .

في حجرة العمليات يستمع الاطباء الجراحون الى موسيقاهم المفضلة لتخفيف الضغط والتوتر لانها قادرة على تقليل هرمون الاجهاد الكورتيزول ، كما تستخدم الموسيقى عند اقلاع الطائرات لتقليل القلق والتوتر لدى المسافرين . وبينت الدراسات ان “التفاعل” مع الموسيقى يزيد من انتاج الاجسام المضادة المناعية A عند الانسان وايضاً الخلايا القاتلة الطبيعية التي تهاجم الڤيروسات ، فتزيد من مناعة الانسان وقدرته على مواجهة الامراض .وعند مرضى السرطان لوحظ فعالية العلاج بالموسيقى في تخفيف الالم في مختلف المراحل خصوصاً في مرحلة العلاج الكيماوي وايضاً في معالجة الاكتئاب المصاحب لهذا المرض ، وتمّ اعتماد الموسيقى كمكمّل لعلاج سرطان الاطفال في عدة دول من بينها تونس . يضاف الى ذلك لوحظ ان الموسيقى تساعد في تعديل وظائف القلب وفي حالات ضيق التنفس وفي تخفيض ضغط الدم . المثير للدهشة ان بعض التجارب والدراسات اظهرت أن الدماغ لا يستقبل ذبذبات الموسيقى عن طريق السمع والأذنين فقط ، بل ايضاً عن طريق اعضاء اخرى مثل الجلد والعظام ! الى هذه الدرجة تكون الموسيقى نفّاذة وذات سطوة في ملامستها أغوار وأعماق النفس البشرية !استمعوا اليها وعلّموها لأطفالكم .. ففيها متعة وراحة وشفاء !

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :