قصة :. أحمد حمدوني
اعتدلت في جلستي ورحت أتابع العرض المسرحي الذي انطلق منذ ما يزيد عن ساعة أو ما يقل عنها.
ربما كنت مثلهم لست الوحيد بينهم لا أعرف السبب وراء حضوري بهذه القاعة في مثل هذا الوقت، مهما كان السبب وراء ذلك فهذا غير مهم إلى الحد الذي يدفعني نحو التساؤل، مكان كغيره وقاعة كغيرها من القاعات ولا أظن أنّ شيئًا ما يتغير إن كنت بمكان غير هذا في مثل هذا الوقت أو غيره وما فائدة الظن إن واصلت في استتباع الظنون؟ وما جدوى الحديث؟ أو الصمت، النوم أو قراءة هذا الكتاب الذي لم أرَ فائدة من قراءته، سأفعل ما يفعلون رغم قناعتي بأن لا شيء سيتغير.
هراء هراء وهراء لا ينقطع الممثلون عن التلفظ به، بين من صدع رأسي بحديثه عن الحق في الحياة وبين من أمتعني بحديثه عن الفقراء والمشردين وقتلى الحروب ونظرة الضعف في أعينهم وارتعاش اجسادهم خوفا وجوعا، انتظر موتهم لعل أشجارا تنمو فوق ركام قبورهم وتنبثق من بين أنقاض عظامهم لتدر علينا حطبا ننشره بين ازقة مدن الفقراء ونحرقها لعلي أرَ السحب سوداء كما اشتهيت رؤيتها منذ طفولتي.
فوق خشبة المسرح امرأة ترقص، تتغنى بجسدها الممشوق تستفز العبد الكامن بداخلي ليجثو راكعا تحت عرش أنوثتها ثم تقول: أجسادنا هبة من الله لنا…
فأقول : أجسادكم هبة المضاجع وزينة المراقص ولا خير في من لم يذق طعم النبيذ من شفاه النساء، أمعنت النظر في تفاصيلها وكنت لا أراها غير عبدة لي ولا أراني غير عبدا لطغيانها وهي لا تنقطع عن الرقص حتي تعثرت فسقطت ثم صرخت صرخة ألم أو إبداع لا أدري فكلاهما سواء عندي ضحِكت لوقوعها من فوق خشبة المسرح فضحك الناس من حولي لا لسبب غير عدم الفائدة من الاطمئنان عليها خدش أو كسر أو موت كلها متشابهات وكلها أحوال، ترقبت قدوم مسعف أو اقتراب فضولي منها مساعدا أو متطفل يأخذها إلى مكان آخر فلعنت عقلي الذي بات ينسج من الهراء نسيجا ويسعى لجعل اللامعقول معقولا فلا أحد أتى ولا شيء حدث وبقية المتألمة تطربنا بأنين الألم وآهات الوجع .
صفق الجمهور وكنت حينها ألاحق ذبابة بناظري كانت تحلق وتتسكع في الأجواء فأسعدني تسكعها، حطت على كتف ممثل كان يكتب مخطوطا ثم علقه بقاعدة المرحاض، وقف على كرسي ولف حبلا حول عنقه ثم قفز منتحرا فوقف الحاضرون وقفة الجسد الواحد وكانت نظرة الإعجاب تعتلي محيانا فانطلقنا في تصفيق أزعج صفاء ذهن الذبابة على كتف ذلك المتدلي بحبل جميل.
سمعت طفلا في الخلف يسأل والدته: ما مصير ذلك الرجل المنتحر؟
قالت: لا أدري أظنه لن يعتلي الخشبة بعد اليوم
وهذا ليس جديرا بالاهتمام ممثل كغيره…بشر كسائر البشر الذين توقفوا عن فعل ما كانوا يفعلون.
انتهى العرض وتحركنا مغادرين فرأيت ذلك العجوز الذي كان بجواري يقترب من خشبة المسرح.
قلت: ماذا تفعل … أظنك تحاول تخليص الرجل من حبله.
قال: حاولت الانتحار مرارا لكني فشلت ربما سأنجح الآن.