هل هو إبدال وإحلال ديمغرافي مُمنْهج؟

هل هو إبدال وإحلال ديمغرافي مُمنْهج؟

محمد عثمونة

سأقول من البداية . بأنه وفي وقتنا الحاضر ليس بالغريب أن تنهض أفكار تقول بالإبدال والإحلال الديمغرافي وقد تتبنى هذه الأفكار تيارات ودول نافذة. وهذا ما يدفعنا من البداية إلى تساؤل يقول:هل أمواج الهجرة الملونة التي تتتالى على الوعاء الجغرافي الليبي وتتكدس بتزاحم في مراكز المهاجرين بالغرب الليبي تضم وفي الغالب سودانيين وآخرين كثر جيء بهم من البر الأفريقى. هى الوجه الآخر المُكمل لعملية الإبدال والإحلال الديمغرافي الذى توّلت منظومة العقود الأربعة الماضية تسيير وتوجيه وإدارة موجاتها إلى داخل الوعاء الجغرافي الليبي وتوطينهم بجنوبه . وهل كان الإبدال والإحلال الديمغرافي يسعى إلى جعل الغلبة للوافد الدخيل ماديا ومعنويا في العدد والعدّة على صاحب الأرض كما حدث بالجنوب خلال الأربعة الماضية . من خلال دعم ومساندة مادية ومعنوية لهؤلاء من طرف وأيادٍ لمنظومة يُحرّكها مُتنفذ دولي وفي الغالب ما يكون ذو ماض استعماري عريق . لأن نتائجها كانت وبالا على الجنوب وأهله وعلى عموم البلاد . ولكن دعني أقول ما أريد في استفهام مباشر . هل هذه الموجات المتتالية من الهجرات الملونة التي تكدست ولا زالت تتوافد وتتزاحم بمراكز إيواء المهاجرين بطرابلس الغرب ومحيطها القريب والبعيد . هي ليست غير خطوة في اتجاه إحلال هذا الوافد الدخيل على الوعاء الجغرافي الليبي . ودعمه معنويا وفيما بعد ماديا من خلال التوطين لتكون له الغَلَبة عددا وعدّة على غرب البلاد؟. وبهذا يكتمل الإحلال الديمغرافي الملون ليمتد من طرابلس الغرب من على الضفة الجنوبية لحوض المتوسط مرورا بالجنوب الليبي لينتهي عند مدينة (انيامى) جنوب الصحراء . مُشكلا ممرا ديمغرافيا ملونا يربط بين البحر والصحراء . وهل هذا الممر الديغرافي الملون الذي يُشتغل عليه في كنف هذا الواقع الليبي المتأزم . يهدف لربط المُتنفذ الدولي ذو الماضي الاستعماري السيئ بالمخزون الهائل للموارد الطبيعية للبر الأفريقي . وهل صُنِع الممر الديمغرافي الملون ليتمكن به المتنفذ الدولي من تخطي أصحاب الأرض وليرفع من منسوب تهميشه ويدفع به إلى الأطراف على هامش بلاده . ليتراجع عددا وعدة و مع الزمن سينتهي إلى التلاشي والعدم . من كل ما تقدم لا أريد الوصول من خلاله إلى القول بأن مؤتمر الصخيرات في مُخرجاته ليس غير الوجه الآخر للمنظومة التي كانت تحتكر دواليب إدارة البلاد وتنفرد بتصريف شؤونها خلال الأربعة العقود الماضية . فهذا سيظهر تحصيلا حاصلا أمام كل المُتتبع والمهتم بالشأن الليبي . بل الذي يدفع نحو هذا التقديم والتأويل لتكدّس الهجرة الملونة بمراكز إيواء مُكتظة بطرابلس ومحيطها القريب والبعيد بغرب البلاد . ظهور بعض المؤشرات والوقفات التي ترجّح وتٌغلب هذا الطرح على ما سواه . وكثير منها جاءت في أحداث وتصريحات لجهات مسؤولة داخلية محلية وإقليمية مجاورة . وجميعها في تقديري تسعى نحو بلورة وإنضاج موقف رسمي محلي إقليمي دولي يذهب إلى مضمون ما يتناوله هذا الطرح . * ومنها ما جاء على لسان عضو فزان بالمجلس الرئاسي أثناء حديثه عن ظروف الهجرة الملونة بالداخل الليبي . والتي ظَهَر فيها وهو ممتلئ حتى الجمام بحس إنساني . ما لبث أن فاض شفقة ورحمة على هؤلاء الملونين فمطالبة ودعوة منه إلى التساهل معهم . وقال بتسريح الأسر وأطفالها إلى خارج مراكز الإيواء والاستفادة من قدرات هؤلاء المغامرين ما أمكن ذلك . ولكن المفارقة تدفع نحو تصنيف تصريح النائب وتبوبه فى الاتجاه الآخر . يرجع إلى ان النائب المحترم عندما يولى وجهه صوب حاضنته الاجتماعية بوادي الآجال وامتدادها الذى يتّسع الجنوب الليبي . نُلاحظ وبوضح ظاهر تراجع وخمود هذا الحس الإنساني تجاه جميع ناس فزان . الذين يعانون صعوبات الحياة أكثر بكثير مما يُعانيه هؤلاء الملونين بمراكز الايواء بغرب البلاد . من الغياب التام للبنية الخدمية الضرورية التي تتولى توفير ولو بحدّه الأدنى ما يحتاجه اليومي في حياة الناس . . ومن هذا المؤشر نعرف مقدار وأهمية هذا الدخيل على الوطن عند مخرجات مؤتمر الصخيرات وتوابعها . بل وعند المنظومة الأممية أيضا . ومن هنا ترتسم الاستفهامات حول موجات الوافدين واكتظاظهم بالغرب الليبي خاصة عند الجنوبي الذي عانى من عملية الإحلال والإبدال الديمغرافي خلال العقود الأربعة الماضية . والذي كان من نتائجه تراجع بل كسر شوكة الممانعة الوطنية بالجنوب . وانتهى هذا التراجع بالجنوب إلى خروجه من المشهد الليبي . على امتداد زمني يتعدّى عشرية متكاملة من السنين . **مؤشر آخر ظهر أمام جميع الليبيين عبر ما تناقلته المحطات الإخبارية المتلفزة خلال الأسابيع الماضية . كان فيه السيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية واقفا أمام عدسات التلفزة برفقة محافظ البنك المركزى الليبي ومدير مؤسسة الاستثمارات الخارجية الليبية ومُتنفذين ماليين ليبيين . وكان يتوسط هؤلاء جميعا الرئيس النيجري بعاصمة بلاده نيامي . لقد ذهبت قراءات الحدث التحليلية مذاهب شتى . ولكن القراءة الموضوعية للشأن الليبي والقريبة من واقعه الجغرافي والاجتماعي والتوجهات السياسية التي تتجاذب كيانه . لا تستطيع أن تجاهل وتغافل الحيثية الاجتماعية والتوجهات السياسية لكل من ضمهم اللقاء بعاصمة جمهورية النيجر . فكل هذه المحددات للقراءة الموضوعية تجعلنا نقول بأن هذا اللقاء كان يتماشى وعلى نحو مباشر مع كيفية استغلال موجات الهجرة الملونة كقوام ومادة يتشكل منها الحامل الموضوعي لعملية الإحلال والإبدال الديموغرافي على النحو الذي يُرضي المُتنفذ الدولي الذي يتأبط الملف الليبي ويتولى شؤونه بأروقة الهيئة الأممية وقاعة مجلس الأمن . مؤشر آخر حديث وقريب . جاء في لقاء متلفز مع مسؤول لأحد دول الجوار . التي اجتهدت ليبيا الرسمية والشعبية وانخرطت مع نهاية خمسينات القرن الماضي في تقديم العون لدولته أثناء اشتغالها وانشغالها على المطالبة بالتحرر والاستقلال من الأجنبي ونالت مبتغاها مع بداية ستينات القرن الماضي . جاء في قول هذا المسؤول وعلى لسانه .

بأن بلاده لا توافق على خروج المرتزقة والقوة الأجنبية من ليبيا وبالطبع رديفهم وظهيرهم الملون . لأنه كما قال :قد يكون فيه ضرر لدول الجوار والتقدم . الليبي . فهو وعلى هذا النحو يطالب ضمنيا بتوطينهم جميعا داخل التراب الليبي . وإلا كان قد سعى واجتهد لحماية دولته مما يراه خطرا قد يأتي عبر حدودها مع ليبيا . كما فعل الجار التونسي لحماية بلاده بحفر خندق وإقامة جدار إنذار إلكتروني . أو رسم خطا أحمر مع الليبيين كما فعل المصريون . وإعفاء نفسه ودولته من التصريحات المُحمّلة بأوجه عديدة . كل ما جاء فى هذه المؤشرات تصب وتدفع في اتجاه خلق البيئة المناسبة . محلية . إقليمية . دولية . لتوطين هؤلاء داخل الوعاء الجغرافي الليبي . وفي تقديري . كان كل ذلك بتوجيه وضغط من المُتنفذ الدولى الذي يتأبط الملف الليبي ويتولى شؤونه أثناء تداولاته داخل قاعات الهيئة الأممية . لأن الهيئة الأممية في قراراتها المتعلقة بليبيا والهجرة الوافدة إليها . كانت دائما تغض الطرف عن مُعاناة الجنوب الليبي وفي المقابل كانت مراكز إيواء الملونين في قلب اهتماماتها . مع أن الاشتغال على الجنوب الليبي والعمل على أن يكون مفردة ا٦ساسية فى المشهد الليبيى . سيكون ورقة رابحة في يد الهيئة . فبها تتراجع وتتلاشى وتنتهى ثنائية الحرب ثنائية شرق غرب التي جاءت مع الصخيرات . وبها أيضا تصبح الحوارات والمداولات داخل المشهد الليبي تتناسل وتتفرع من مفردة واحدة وهي ليبيا الوطن لكل ما يضمه وعاؤه الجغراف من تعدد وتنوع . كنت أحاول أن أنتهى بالقول .إن إرهاصات الإحلال والإبدال الديمغرافي الملون التي ظهرت علاماتها فيما تحدّد سابقا في بعض من مؤشراتها . ستنتهى وبالضرورة وعند اكتمالها إلى تجريف البنية المعنوية التي تنتج وتتشكل وتهض من خلال ارتباط وتفاعل نوعي معنوي ذو بُعد أخلاقي فيما بين السكاني والجغرافي المحلّي . فيُثمر عن هذا التشابك والدمج النوعى٠ المعنوى المّتقدم بيئة معنوية تنمو وتنهض وتتغذى عليها شوكة المُمانعة الوطنية . التى ستكون الممثل والضامن لترسيخ وتجذير اولوية الوطن والمواطن على ما سواها . من خلال الدفع نحو تأسيس و إنشاء بنية تحتية حديثة تغطي كل القطاع الخدمي . صحة . تعليم . اتصال . مواصلات الخ . مدعومة ببنية تحتية رديفة تغطي كل مجالات النشاط التنموي بجميع قطاعاته . زراعى . صناعى . استثمارى . الخ . ليكون محفزا ومستحثا لطاقات البلاد البشرية للمشاركة فيها وتنمية الوطن والخروج به من دائرة الاقتصاد الريعي إلى النشاط التنموي المتعدد المتنوع الذي يدفع بالوطن ومواطنيه نحو النهوض والتقدم . وسيكون أول المتضررين من عملية الإبدال والإحلال الوطن الليبي ومواطنيه . إذ سيتحول بفعلها إلى أطيان وأقيان . بمعنى ليس غير منّجم طبيعى كبير مع خزان بشري متعدد المواهب والقدرات يتموّضع على موقع جغرافي هام . كل هذا سيُسخّر في خدمة ومصلحة المُتنفذ الدولي الذي يتولى إدارة ملف التأزم الليبي وشؤونه داخل قاعة مجلس الأمن . وكما يبدو وبصلاحية واسعة تمكّنه من تصريفه كيفما شاء وأراد . أمّا المتضرر الثاني سيكون بلا ريب الأمن والاستقرار الإقليميين بحوض المتوسط الحيوي ومحيطه الجغرافي .

………………………………………………………………………………

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :