وفاء لذكراه

وفاء لذكراه

بقلم :: ميلاد منصور الحصادي
منذ أيام حلت الذكرى الثلاثون لرحيل الشاعر والكاتب المسرحي (عبد العظيم شلوف ) الذي غادرنا يوم 3/4/1987 بعد معاناة مع سرطان الرئة عن عمر يناهز 34/عاما
لقد رحل عنا مبكرا ومازال فى جعبته الكثير ليقوله …رحل مبكرا وترك فينا جرحاً لم يندمل رغم مرور هذه السنوات .
لكنه قبل رحيله ترك لنا تراثا مسرحيا وشعريا ظل محط النقاش والاتفاق والخلاف …لقد تميز عبد العظيم شلوف بعشقه للمسرح منذ أن انطلق فى بداية السبعينات شابا صغيراً لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره بأول نص مسرحي بعنوان (السؤال والحل )وحتى توقف مشواره بمسرحية (النسف) ومسرحية (يقضان ) التى لم تكتمل، تميز خلال هذا المشوار بالتطور فى عمله واشتغاله على نصه المسرحي والشعري.
عبد العظيم شلوف مسرحي مثابر أحب الركح فعمل ممثلا ومخرجا وكاتبا ..دعم النشاط المدرسي الذي كان أحد أبنائه ، فعمل معه وقدم له نصوصه فقد كان يؤمن بدور النشاط المدرسي فى دعم حركة المسرح .
عبد العظيم شلوف مبدع مسرحي يؤمن بالحوار والجدل والاختلاف ، ويسعى لتطوير أدواته الفنية بكل الوسائل ، وله القدرة على النقاش والمحاورة ، كان يحمل كل نص يكتبه يطوف به على أصدقائه المسرحيين والشعراء والمثقفين ، يسمع منهم ، يناقشهم ، يقبل ويرفض لكنه لا يلغي أحداً أو يسفه رأى أحد.
عبد العظيم شلوف رحلة قصيرة في مسيرة الأدب الليبي مسرحاً وشعراً لو استمرت لكان لها شأن آخر .
يقول عنه الشاعر سالم العوكلي: ( ثمة إحساس غامض بالهزيمة يكمن فى شعرية عبدالعظيم شلوف ، التى توزعت بين أعماله المسرحية وقصائده ، لذلك يحاول عبر كتابته الإبداعية تحسس جدران الهزيمة التى يصبغها على فكرة الحياة نفسها ، فيأتي الموت في جل قصائده كنقيض للهزيمة ، ليبرر قلقه الوجودي من ناحية ، أو ليرتفع به على حالة الاستكانة لغربة الذات التى تحاول اقتفاء هاجس التخلق إلى إمكانية الولادة من ناحية أخرى .
((ياجب القلب / أموت وأبعث/ ثم أموت …وأبعث/ مذ مدح المتنبي سيف الدولة/ فلماذا أكثرت على/ وأنا حرف متعب)) يحاول الشاعر مراراً أن يجمع ما تناثر من روحه ، ليرمم حالة ميلاد صعبة للقصيدة أحيانا ، وللذات الضاجة بقلقه تجاه الإنسان أحيانا أخرى ،والذى لا يستطيع رغم دأبه على الإيغال في لغته التجريدية أن يتجاوز به واقعه الاجتماعي الذي يتشكل نفسانيا داخل بناء النص المتمسك بإيقاع راقص ومعان تتوالد ، رغم حالة التفكك والمخاض الناري يصب على الواقع جام رفضه ويصيبه بقدر كبير من القلق ، وهو تعارض نابع في جوهره من وعي الشاعر ببنى الواقع ورفضه لها ، وليس من انفصام عرى علاقته به (( من أجل من ؟ // تحتضن الصحراء ألف شاعر // من أجل حق ضائع // من أجل غربة // من أجل حرف في قصيد // من أجل عراف جديد // من أجل من ؟ // تحتضن الصحراء ألف شاعر.
المسرحي (عبد المنعم الهرام )) الذي أخرج عملين مسرحيين للمرحوم عبد العظيم شلوف { الشاهد البحر// الخروج من الجب}} يقول: حار أديبنا كثيرا في فك طلاسم الحياة ،والتصق هاجس الموت بفهمه العميق لها ، بيد أن هذا الفهم أو محنة الفهم ما كانت لتمنح عمره الفرصة الكاملة للعيش كما أنها لم تفصله عن العمل ، إذ أن لا فاصل بين الفكر والعمل فى أدب شلوف ،ومن هنا جاءت وتحققت إبداعاته واستبانت أفكاره رغم أن ظلالها كانت قاتمة // فكانت الشاهد البحر رحيلا وانعزالا وموتا ،و الخروج من الجب قضية …ومأساة وموت ،، والنسف معاناة وصراع نفسي وموت // إذاً هاجس الموت كان هو الأقوى وهو الذي يدور حوله، فأبطال مسرحياته تلك ، كانت تلك نهايتهم ، وهذه النتيجة كانت هي ما شكل تلك الأسئلة الحائرة التي استقرت في ذهنه وعمل فيها عقل وفكر الراحل شلوف ، الذي لم يكن بهذا المعنى كاتبا رافضا ، بل كانت واقعيته جادة يشوبها طوفان من القلق النفسي والحزن والشعور بالصدمة والتى أفادته كثيرا وانشغلت بها نفسه ليؤكد بعدها بجلاء قيمته الإبداعية ووجوده الفني والأدبي .
يقول المخرج والممثل المسرحي (مفتاح شنيب ): بعد كتابة مسرحية النسف دار نقاش بيننا حول أفضل أعماله ، سألته أيهما أفضل لديك؟ فأجابني الخروج من الجب أفضل أعمالي ، قلت له ، إنني أخالفك الرأي فالشاهد البحر هى الأفضل ، فسألني لماذا ؟ ، قلت بأنك في الشاهد البحر سيطرت على جميع تفاصيل بناء الشخصيات بالأخص ،، كان متماسكا على عكس ما أرى فى الخروج من الجب ، فقد تناثرت الشخصيات ، وارتبكت الأمور معك ، فجاملت بعضها على حساب العمل ككل ، قال لي الجب عمل ضخم لا تستطيع العين إزاء ضخامته ، أن تصدر حكما صحيحا ، أذا أردت أن تصدر حكما صحيحا ، عليك الابتعاد ، وهذه نظرية معروفة ، وهذا ما يميز عبد العظيم ، فبالرغم من أنه كاتب وبالرغم أن (الجب) خرجت من جب عبد العظيم ، إلا أنه يحايد في أحكامه على أعماله الفنية ، إنه يرى (الخروج من الجب ) عملا ضخما لأن الجب إعادة تقييم للحياة أوإعادة صياغة أحداثها.
أما الشاعر والأديب احمد بللو فيقول: في وقفة سريعة مع الأعمال الكاملة للشاعر المسرحي عبد العظيم شلوف نشرت فى مجلة ((الجليس )) العدد الأول مارس 2007 م نقتطف منها( في مسرحيات القسم الأول والتي شكلت البدايات الأولى والتجارب المبكرة سنجد تلمس هذا الشاعر لإمكانيات الكتابة المسرحية والخطاب المسرحي ، وإن ظهر عليه التناول الخارجي وسيطرة المؤلف على كل أصول اللعبة ، وعدم وضوح حوار التناقض بين الأفكار التى تمثلها الشخصيات المسرحية ، ولن يجد المطلع عليها أي صعوبة في اكتشاف أمثالها أو تأثرها الواضح بتجارب المسرح العربي التى سادت ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي.)
وفي موضع آخر يقول أحمد بللو في القسم الثاني والذى ضم مسرحيات الشاهد البحر //الخروج من الجب // النسف // نستطيع التعرف على النقلة المهمة التى حدثت على مستوى الكتابة المسرحية …حيث أصبح أكثر اقترابا من أساسيات اللعبة المسرحية ، إذ بدت الشخصيات أكثر حيوية وأكثر تماسكا ..وتطورت لغة الحوار لتفضي إلى وجود النقائض الدرامية والوقائع أكثر التصاقا بالحياةو الأفكار تعبر إلى حد كبير عما يعمل ويدور فى أعمال الشخصيات ..وتراجع تدخل المؤلف في مواقفها و ردات نقلها وأفعالها …وإن نحت النهايات بشكل من الأشكال نحو الميلودراما ).
وإن كنا قد استطعنا أن نقوم بتجميع تراث عبدالعظيم المسرحي والذي صدر عن مجلس الثقافة عام 2006 م ، فنحن نسعى لتجميع تراثه الشعري حيث أصدر عام 1975 ديوانا شعرياً صغيرا بعنوان (قصائد الحزن والموت) ومن قصائده التى لم تنشر قصيدة بعنوان
{{ أنشودة اليوم الثامن}}
عمرك يا ولدي سبعة
أيام معدودات
فى اليوم الثامن ستموت
وسنبقى مصلوبين
فى هذا الزمن المرسوم على جدران الغربة
متنا مصلوبين
فإلى ….أين
أنزل هذا البحر
وسمك القرش الآن قريب ؟
أما أنت
فأنت غريب
ما دامت روحك عاشقة للطين
ما تبعد الآن
وأترك دمعك يقطر فرحاً
يا ولدي في اليوم التاسع
يخنقني نتنُ الجيفة
فأصنع من جمجمتي دنا للخمرهْ
وأشرب ما شئت
قدري
قدرى
قدرك
نجمة فجرٍ مسروقهْ
فلماذا الآن تجئ
هل ذهب الحوتْ
أنا قلت : تموتْ
فأعلم أن اليوم الثامن قادم
بركة دمٍ تعرفني من بعدك
فلماذا الآن تجئ
يا ولدى عمرك أصبح
سبعة أيامٍ معدودات
أنشودة عزف الموت
الموعودة تضرب
لا أحد يرقص
التف على جسدي : جسدان
فأبتعد الآن
جسد من خوف الموت
غريب
جسد من خيط الرعب
رهيب
يا ولدى في اليوم التاسع

وحدى أبكيك

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :