- آمنة محمود
يصدحُ المِذياعُ بغنّاوةِ علم، بينما توجّه مرتاحة نظرها لحركة السّير من زُجاجِ السيارة مُحدّثةً نفسها:
– لقد صارت مدينتُنا هذهِ مدينةَ الأغنِياء! ..
الجميعُ هنا يرتدونَ ملابسَ مُرتّبة، والبيُوت استحالتْ فِللًا ومبانيَ ضخمة؛ بعد كُلِّ سيّارتَين ستصادفكَ “رانج روفر”، “جِي كلاس”، أو “شَاص”بلغَ سِعرُها المئة وخمسينَ ألفًا؛ النَّاسُ هنا أصبَحُوا أكثر حذرًا في انتِقاءِ كلماتهم ولرُبّما أصهارهم وأنسابهم كذلك، إذْ كُلُّ غنِيٍّ يوَدُّ لو ناسَبَ غنيًّا آخر لتمتدَّ سُلالةُ الأثرياءِ عُمرًا أطوَل؛ المُناسبات صارتْ سباقًا بينَ العائلات أيُّهُمُ أكثرُ بذَخًا؛ لم يعُد بإمكانك عقدُ الصداقات هُنا أو سيصعُب عليك ذلك إن لم تكُن تحمل هاتفًا أمريكيّ الصُّنع وتركبُ سيّارةً فارِهة، الجميعُ يتزوّجون، الجميعُ يقيمون الحفلات، الجميعُ يفتحونَ مشاريعَ كبيرة، حتى المآتمُ هنا تحمِلُ شيئًا من الرفاهية، مُعجّناتٍ وتَمرًا فاخرًا رفقة حليبٍ مُنكّهٍ بالشوكولا و الفراولة طعمهُ لذيذٌ لدرجةٍ تجعل الفقير يفرحُ بكلِّ موتٍ جديد، كما قد تلاشَى -تقريبًا- المُشرّدونَ والفقراء، لا أعلمُ إن كانوا قد طالهم شيءٌ من الثراء أم أنّهم لزموا بيوتهُم خجلًا؛ لا يهمُّ إن كان هذا الغِنى الذي حلَّ فجأةً على الكُل حلالًا أم حرامًا، المُهمُّ أنَّ الجميع ركِبَ ظهرَ التّرفِ و رفعَ هامَتَهُ مُستمتعًا بانتِصارهِ على البُؤس..
وأنا وأنتَ هنا، نراقبُ بعضنا عن بُعدٍ بعينينِ ذابلتَين، لا نحنُ من أغنياء المدينة فندخل السِّباق، ولا نحنُ في عِدادِ فُقرائها فيرأف الأغنياءُ بِنا، نلوذُ الشوارع نتعاطَى مِنها الذّكرياتِ حتى نثمَلَ ثمّ نعودُ لأسرَّتِنا نتدعدعُ من الشّوق، لا ركِبنا مَوجةَ الخُطّاب فانخطبنا، ولَا نهينا قُلوبنا عن هذا الحُبِّ المُحتال، والعمرُ يمضِي، والنَّاسُ تمضي، والكوكَبُ يمضي نحوَ نهايتهِ، والعالمُ يُحصُونَ علاماتِ السّاعة خوفَ القِيامة، وأنا وأنتَ واقفينَ “لا حسّ لا مسّ” نُخيّبُ آمال بعضِنا دون هَوادةٍ، ونُصارع اليأس الذي ترك ثُلُثي الشّعب و”تَرَّسَ” في أعناقِنا ..
تقطعها الجدّةُ لافِفَةً رأسها نحوَ الكرسي الخلفيّ:
– فيش يقول الغنّاي يا مرتاحة؟ اكملت الغنّاوة وما فهمتها! ..
تُجيبُ بِحُزنٍ وهِيَ تُقشّرُ ماتبقّى من طلاءِ أظافرها :
“اسملّه علَي هالعَيْن ,,
مِ الياس، و السّوايا، و القدمّ” ..