كتب :: محمد عثمونة
دعوني أوّلاً أقول . وقبل الخوض فيما أود تناوله بأن انتفاضة الناس بليبيا مع نهاية 2011 م . جاءت بعدما ضـُيـّق عليهم . من قِبل منظومة عبثت بهم . وبموارد بلادهم . بل ذهبت هذه المنظومة . نحو تجّريدتهم من آدميّتهم . فتعاملت مع البعض ككلاب ضالة – كما أسمتهم -والآخر غير ضال . كل ذلك وغيره . شكّل في مجموعه الباعث الذي دفع الناس نحو التحرّك . فكانت بذلك انتفاضة شتاء 2011 م . وكانت هذه أيضاً . وسيلتهم وأداتهم . نحو السعي لصناعة وإرساء آلية حكم راشدة . يتمكنون بها ومن خلالها إدارة شأنهم العام . على نحو سلس . آلية ناجعة .تضبط إيقاع تدافع حراكهم العام . داخل جغرافيا وطنهم .تبعده عن الانزلاق إلى مهاوي الشطط , وتوجهه عبر أطر دستورية قانونية . لتُرّوض حدّته . وتلجم نزقه . وتجعل منه تدافعا سلمياً منتجا . ذو مردود عال الإيجابية . وهذا لا يتأتى إلا بالتوجه صوب مسار ديمقراطي . سينتهي في خاتمته إلى التأسيس لدولة المواطنة . دولة المؤسسات والقانون . دولة تكافؤ الفرص , حيت فضاء الحرية . يسع الرأي والرأي الآخر . ومن الطبيعي بأن هذا التوجّه سيجّترح لنفسه . لسانه الخاص ,يُظّهره في مفردات وكلمات ومفاهيم ومصطلحات. أو يسّتدعيها إلى دنيا قاموسه الثقافي المتداول . فى حراكه اليومي داخل فضاء حياته فتصير مفردات الحوار . الدستور . منظمات المجتمع المدني . حق التظاهر . كلمات متداولة بين الناس في منّشطهم اليومي . ويكثر ترديد كلمات . كانت غائبة ضمُرت وجفّت واختفت لقلّة تداولها . والتعاطي معها خلال العقود الماضية . ككلمات . قانون الانتخابات . الدائرة الانتخابية . البرلمان . المحكمة الدستورية . مساءلة الحكومة . حجب الثقة عن الحكومة . تجريد الحصانة عن العضو بمجلس النواب بغرض المساءلة الخ . ولكن وبالقطع ستختفي وتسقط مفردات ومصطلحات كثيرة من التداول . فمثلا . مفردة (التوافق) واشتقاقاتها . سوف لن يكون لها حيز تشّغله داخل هذا القاموس . لأنه وبإيجازالقول . قد تمّ احتواء هذه المفردة واشّتقاقاتها في مفهومها الاصطلاحي. داخل جسم مؤسساتي يُعّتبر لبنة أساسية في هذه البنية الديمقراطية . وحمل هذا الجسم داخل البناء الديمقراطي مسمّى البرلمان . فآليّة هذا الجسم . ستعمل على تفّكيك مفردة التوافق هذه . وتتولى إعادة صياغتها على نحو جديد ومنتج . في صور من النقاش والحوار والجدل والتداول . يفّضى في نهايته إلى استخلاص الجيد والحسن وترّجيحه على غيره.وذلك بالاحتكام داخل هذه المؤسسة الديمقراطية إلى الأغلبية .
وبصيغة أخرى أقول إن مفردة الوفاق واشتقاقاتها في مفهومها الاصطلاحي. أثناء ولحظة تداولها . داخل البناء الديمقراطي تستدعي وعلى الفور إلى الذهن . الأمر المختلف عليه . وليس الأمر المُراد التوافق عليه . وبقول آخر تستدعي إلى الذهن . الأمر المُخّتلف عليه . ومن خلال النقاش الموضوعي والحوار الهادف . والجدل والتداول المسؤول . يُصار إلى إثراء الأفكار وتلاقحها حول المختلف عليه . وفرز الغث منها والسمين . وبكل هذا ومن خلاله . يتمْ تفكيك المختلف عليه . عبر آلية تعتمد العقل وموازناته . داخل مؤسسة هذه البنية الديمقراطية , التي تضم كل الناس في ممثليهم . وهذا الأسلوب في التداول والتمّحيص. هو آليّة- إن شئتم -وأداة حديثة . أفرزها تأويل العقل الإنساني . لكلمة الشورى . في محاولة منه , لإنزالها من برّجها العاجي إلى دنيا التداول . لجعلها أداة من أدوات الفعل الإنساني المنتج . في دنيا هذا العالم المأزُم . ولكن وفي هذا السياق . عندما يتم اسّتدراج مفردة الوفاق واشتقاقاتها . خارج هذا البناء الديمقراطي في مؤسسة البرلمان . ليتمْ تداولها بعيداً عن جميع الناس في ممثليهم . نجدّها ستحمل وعلى الفور . وجها آخر بمضامين أخرى .قد تكون هذه المضامين مُسّتبطنة غير ظاهرة . تتخفّى وراء الوجه الآخر للكلمة . المرادف لما عُرف بالصلح خير . فالوفاق كما أسلفنا القول . وفي سياقنا هذا . كلمة تستدعي إلى الذهن عند نطّقها وتداولها . داخل البناء الديمقراطي. أمراً ما مخّتلف عليه. ولكن إذا تمّ اسّتدراج هذا المخّتلف عليه . والذي يهم كل الناس . للتداول خارج البناء الديمقراطي . يصير إلى وجه آخر . إلى أمر يُراد التوافق عليه . وهذا في الواقع . ليس سوى . إلباسه صبّغة خاصة للإيحاء بأنه أمر لا يهم كل الناس . وبهذا الفعل . يتم نقل الاختلاف إلى خِلاف . بمعنى نقل الاختلاف من إمكانية التفكيك والحلّحلة . إلى حالة التجسيم والتعيّن في هيئة خِلاف له أطرافه وكوادره .
وبصيغة أخرى .أستطيع القول . بأن هذا المبدع العتيد . الذي عمل على اسّتدراج المختلف عليه في الشأن الليبي . للتداول خارج البنية الديمقراطية . لم ينّقله فقط . من حالة الاختلاف إلى حالة خِلاف . بل تمكن من تشيئ وتجسيد هذا الخِلاف. في أجسام لها حيثياتها . تتحرك بها ومن خلالها . على دنيا الواقع الليبي. وتعبث به وتؤزّمه . مُفعّل بحراكها هذا . مسار آخر موازٍ للمسار الديمقراطي. التي جاءت انتفاضة شتاء 2011 م . بإمكانية إرسائه وتجديره . داخل هذا الواقع الليبي المتخلّف . ومُعوّلة عليه في تفّكيك كل العقد المسّتحّكمة فيه . التي تشدّه إلى قاع هذا الواقع المأزُم مند عقود طويلة . ومن هنا يأتي تساؤل ليقول . هل عرّاب مؤتمر الصخيرات . وحادي قافلته نحو شواطئ الأطلسي . كان يسعى من وراء كل هذا . إلى استدراج مفردة الوفاق واشتقاقاتها . للتداول خارج البناء الديمقراطي .لكي تكون له ركيزة ومتكئا وأداة , لخلّق مسار آخر . موازٍ للمسار الديمقراطي. الذي جاءت إمكانية تَخلّقه على الجغرافيا الليبية . مع انتفاضة شتاء 2011 م .وهل بفعّله هذا . سعى حينها إلى تطّويع الهيئة الأممية الراعية . لتعمل ضد مبادئها . مستغلا وموظفا غطائها الأممي . في تحّشيد المجتمع الدولي. ليكون حاضنة لمفردة الوفاق واشتقاقاتها ؟ . وبعد كل هذا . يكون من الجيد , أمام شعوب العالم ودوله . أن تظهر الهيئة الأممية في توافق تام مع ذاتها . في تعاطيها مع ما جاءت من أجل تحقيقه على أرض هذا العالم البائس . وهذا ليس بالعسير . إذا التزم كادرها بسلوك مسؤول . تجاه مبادئها الإنسانية العتيدة .فمثلا . لا يجب أن تسّمح .بتمرير ما قد يتعارض مع مبادئها من تحت مظلّتها الأممية . وإن حدث ذلك في السابق . لا تتردد في السعي إلى معالجته بإعادة تصحيحه وعدم تكراره . ولا تقبل أن تسّند أو تُبارك. خطوات أو لقاءات أو تجمعات منتديات ومؤتمرات . تراها لا تصب في تيار توجهاتها . التي تسعى بها ومن خلالها نحو . زيادة مساحة الديمقراطيات والسلم . على حساب نقيضها . فوق رقعة جغرافيا هذا العالم البائس .