الإسم كما نناديها: يام .. المهنة: نِسْوية

الإسم كما نناديها: يام .. المهنة: نِسْوية

تَنّوَه  ( مايشبه ترسب التجارب والمعرفة )

سعاد سالم

إلى مبروكة/ زيتونة المرأة في يومها العالمي 8 مارس

لماذا يجب أن أصلي خلف الرجال بل والصبيان في صلاة الجماعة؟ سؤال احتجاجي اخترت أن اسأله لأمي، فقالت: لو سجدنا أمامهم لأنشغلوا بالمؤخرات.

 كنتُ في الرابعة عشر عندما دخل بوي بحمولته من ألعاب الميلود بما فيها الدربوكة الصغيرة لأختي مريم، وأنا؟عيناي سألت، فأجابت أمي : مازالت صغيّرة راهو، ناظرة لبوي، فارتفع عمر الطفولة في بيتنا منذ تلك الظهيرة وإلى اليوم.

في السابعة عشر وكان رمضان وعطلة صيفية في آن، نتبادل أنا وأختي مريم تجهيز الفطور يوما بيوم، وبعد مايقّيل بوي، تخرج أمي ومعها من ليس عليها الدور وأخوتي الصغار إلى البحر أو أي مكان فقط لتغيير الجو، في أحد أيام ذلك الصيف من رمضان وبعد إلحاح مني، وبوي يقود بنا سيارته في جولتنا العصرية الرايقة قالت: سعاد تبّيك تسجلها اليوم في الفروسية مادامنا في بوستة، وكان لي ذلك، فأدار بوي الدومان ودخل الزقاق الترابي وأوقف السيارة أمام بوابة كبيرة مازلت أتذكرها، كنشيلّو كبير مطلي بلون أخضر غامق، قبل ماينزل، قال: خلي نشوف، عندي صاحبي هنايا، عاد بعد قليل طالبا مني مرافقته، وكان أن عرّفني على عمي عبدالله، زميله في الشرطة زمان، كنت أرتدي ذلك اليوم فانيليا بيضا من لانا خفيفية من دون أكمام، وقونه شورت سوداء إلى الركبتين وكنت بقوام ملائم لركوب الخيل، لماذا أقول ذلك؟

لأن عمي عبدالله قاله لبوي، عمرها أكبر من إنها تتدرب الآن، يفترض التدرب يبدا في في عمر صغير، هكذا شرح بوي لأمي في السيارة بعدما أكملتُ التسجيل ودفع بوي الرسوم،واستلمت ُبطاقتي وعليها جدول التدريب، وأضاف:  عندما قلت له إنها تريد ذلك بشدة وصدّعتنا، قال لي يجب أن أرى إن كان وزنها ملائما.

حينما بدأت أمي و كعادة أمهات جيلها في تدريبنا على تعلم الطهي أنا وأختي مريم، يتم دائما في العطلة الصيفية، كان ممنوع منعا باتا، إبداء  أي انتقاد على ما نجهزّه من طعام مهما كان سيئا، لا من بوي ولا من خوتي،فنشأنا كلنا ممتين لمعد الطعام في عيلتنا أو عند الناس، فضلا عن أن كل أخوتي يجيدون الاعتناء بأنفسهم، فضلا عن بوي.

أمي لم تتعامل مع مفردة استئذان في الخروج،كما تتداول في صورتها السطحية الآن ، إنما تطبق ذلك بأن تحرص على أن يعرف بوي برنامج زياراتها، بنمشي لفلانة مرت فلان اليوم ، زاد عليها بنية/وليد ، غالبا لأنها تحتاج أن تنقدها (ترميلها) ليعرف بوي أين ستستقر الجنيهات الناقصة في الصندوق السماوي في قجر الشكماجة الفوقي، و إن لم يكن في البيت،أو نائما،  لابد أن تترك معي رسالة له: قولي لبوك أني راكبة فوق لخلتك آمنة. أو نهدرز عند خلتك الشيخة ،الاستئذان عند أمي، وأغلب جيلها من الجارات، أن تحترم حق شريكها في الاطلاع، ويحترم حقها في  القرار.

وهكذا بدا أن غناء النساء في الأعراس ساعتها على هذه التفصيلة الدقيقة منطقيا: ياسلّملي مولا بيتي، لايعارك لايقول مشيتي.

بسبب انتقال عائلتها من السكن في المدينة القديمة إلى السكن في السوالم بسوق الجمعة، تركت أمي المدرسة بعد الصف الثالث الابتدائي،لتعقيدات اجتماعية ومالية كما فهمت، أخبرتني قصتها مرة، أو مرتين: كنت نركب فوق الحيط نتفرج عالصغار ماشيين للمدرسة بقرمبيولاتهم ونقعد مضبطة شنطي و نبكي.

وعمري سبعة كنت أذهب أحيانا مع أمي إلى معهد الخياطة والتفصيل في فشلوم ، كان مبنى المعهد فيلا جميلة قريبة من الجامع الذي يفلق الشارع الطويل نصفين، يقابلها مقهى صغير أشترى منه أحيانا خبزة وطن، أو شيشة ماريندا الليمون أقرطعها وأعيدها لأعيد فلوس الضمان ، كانت ملابس أمي في أحد تلك الأيام القديمة، قفطان قصير نص كم تحته بنطلون واسع أتذكر أنه كان برتقاليا فيما القفطان مزركش يتوزع عليه اللون البرتقالي في خطوط ضئيلة،وفوقهم الفراشية، حصلّت أمي بعد أشهر شهادة الخياطة بتقدير ممتاز، وظلت هوايتها التي صقلتها بدراستها في ذلك المعهد القديم في السبعينات، وبمجلة البوردا لاحقا، تخيط لنا أغلب ملابسنا فنمت معرفتنا بالأقمشة والألوان وتناسقها ،وأهمية أن تكون في بيتنا ماكينة الخياطة، كما كانت في حوش حنّاي، وافتقدها في بيتي بروتردام، أمي لم تلبسنا في طفولتنا نحن بناتها الثلاثة ولا مرة الحولي والصدرة ولا الفيللو،ولم تدعو لنا بقوة السعد.فكبرنا مثل شجرات الصنوبر لامبايات بالفصول.

كنت في الأول الاعدادي حينما دخلت أمي مرة أخرى للمدرسة انطلاقا من الصف الثالث الإبتدائي، وواصلت حتى حصلت على الشهادة الابتدائية، لم تذهب أبعد، كنّا أصبحنا ستة، وكانت البيئة الاجتماعية لاتجعلها أحيانا قادرة على كتابة الواجب، الولد يسنن، البنت عندها اللِوَز ، الجارة لفلانية جت تهدرز، لازم تهوى علي فلانة ، وكنّا صغارا لؤماء فلم نساعدها حين يعصى عليها فهم شيء ما،كما صرخت فينا مرة.

في الصف الثالث الابتدائي كانت أمي يوميا في المساء وبعد انهاء واجباتنا نحن الثلاثة لكبار، أنا الأخت الكبرى( البِكرا) وأخي جمعة وأختي مريم ،يعني في أعمار الثامنة والسابعة والسادسة على التوالي تختار لنا صفحة من درس مطالعة من كتاب خالتي مريم( نعم هي أيضا مريم و نِسوية) في الصف الأول ثانوي نكتبوه ثلاثة مرات، ثم تمليه أمي علينا، وننتظر حتى تراجع الاملاء ، لنعيد قراءة وكتابة الكلمة أو الكلمات التي كتبها أحدنا أو كلنا خطأ وتمليها علينا من جديد، قبل أن نذهب للنوم.

لم تتوقف أمي عن القراءة يوما منذ ذلك الصباح التي لم تعد تذهب فيه إلى المدرسة، كنت في الصيف ، أتبادل مع اثنين من صبيان الشارع خالد وعمر وآخرين بصورة أقل ،الكتب والقصص والمجلات المصورة، ،كانت أعمارنا متقاربة، كنا تقريبا في الثالثة عشر، كان حين يأتي ليسترجع كتاب أو قصة أو مجلة ، أحيانا أطلب منه بعض الوقت لتنهي أمي قراءته، في أول مرة رفع خالد حاجبه مستغربا ، ثم اعتاد على فكرة أن الأمهات يقرأن أيضا.

وإلى من في رحمة الله، بوي  سالم الحجاجي سنيد أمي وأنا وخالتي وأخواتي وكل نِسويات العالم.  

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :