الدغري

الدغري

أسماء القرقني

قرأت  الرسائل التي جاءتني بإسم ( الدغري) قبل ان ابدأ عملي كالعادة ، قراءة رسائلها تبعث في نفسي الأمل ، تحفزني للعمل وتشعرني بأهميتي وقيمتي :

(حبيبي خوذ بالك من نفسك)

(ما ترهق روحك في العمل)

(لا يبدأ  صباحي الا عند وصول كلماتك الرائعة)

(طمني اول ما توصل للحوش يا عمري )

  “الدغري ” اسم زميلي ورفيقي في العمل ، لا ادري لِمَ سميت حبيبتي بإسمه !؟ ربما لأنني كنت  أحياناً احدث زوجتي عن تصرفاته حتى صار يوحي لها بالثقة والطمأنينة .

كان الدغري يغيظني بمثالتيه الزائدة عن الحد ،  نموذجاً في كل شيء ، اخلاقه ، هندامه ، اسلوبه في عمله  صوته الخفيض ، حياته  المتزنة ، كل شيء مرسوم بدقة ونظام  لا يتزعزع ، اصغي لمكالماته مع زوجته واشعر بالعجب ، رغم انها مكالمات مقتضبة الا انها تفيض بالحب والدلال  والاهتمام بأدق التفاصيل .

أندب حظي  عند مقارنتي رسائل الحكومة ( زوجتي) بما اسمعه :

(احضر معك طماطم وبطاطا وبصل…. )

(لا تنسى القهوة فقد نفدت بالأمس..)

اوووف “…، الا  تجاملني قليلاً وتضع تحية الصباح !؟فأنا لم ارها عندما خرجت !!

يلاحظ  الدغري  أحياناً انزعاجي وتوقفي عن العمل ، يتفحص ملامحي ، يوجه لي نصائح  سريعة  بضرورة تنظيم حياتي  وأولوياتي  ، يقطعها  اتصال من زوجته للسؤال والاطمئنان عنه، لا تطلب منه شيئاً ،كل ردوده عليها تدل انها تمدحه وتوصيه بنفسه خيراً .

 صرت  مؤخراً اشعر بإختناق من نصائحه  وحياته المثالية وتصرفاته الدقيقة المحسوبة ، الحقيقة ان الرجل لم يؤذنِ يوماً  ،فهو في قمة الأدب والكياسة  لكنه مع ذلك يثير غضبي كلما  لمست ثقته بنفسه  وتصورت حياته المغرقة في الراحة والهدوء .

أقول له  متعمداً:

اذا طلبوا منك حاجة مهمة في الحوش عدي وتوا  نمسك مكانك.

يضحك ضحكة قصيرة :

البيت ما يطلبوا مني  شيء غير سلامتي ، معتمدين على انفسهم ومش طالبين غير وجودي بينهم.

أتميز غيظاً  من ثقته الممشوقة ، أبذل جهداً لا تمالك نفسي واستمر في عملي ، يبدو جلياً إنني صرت اشعر بالغيرة منه ، لا يوجد تفسير آخر لما اشعر به ناحيته سوى الغيرة ، بل الغيرة الشديدة .

بدأت هذا اليوم مبتهجاً بالرسائل التي وصلتني بأسم “الدغري”، شعوري بالبهجة لم يدم طويلاً للأسف ، سرعان ما ضيعت نشوته قراءتي لرسائل الحكومة :

(لا تنسى دفع اقساط المدرسة عند عودتك ، غداً هو آخر موعد للتسليم)

(لا تنسى ان تحضر تورتة، عيد ميلاد ابنك اليوم)

لا تزعجني الطلبات فهي من حقها ، فقط يزعجني اسلوبها ، لا تكلف نفسها عناء ان تقول كلمة لطيفة او تسأل عن الحال !!، تمنيت ان تسمع مكالمة واحدة من مكالمات زوجة الدغري لترى الفرق وتتعلم.

ركلت همومي ورائي وانهمكت في العمل لمدة تقارب الثلاث ساعات دون توقف ، نظرت إلى الدغري ،وجدته  متوقفاً عن العمل ، يدخن سيجارته  والبهجة تلفه بعد أن قرأ شيئاً في جواله ، قلت والفضول يغلبني:

ما شاء الله، ان شاء الله ديما رايق.

الحمدلله ، اليوم يبوا يديرولي عيد ميلاد ههههه قالوا تعال دايرنلك مفاجأة.

خرج الدغري من المكتب تلبية لأمر المدير،  وقعت عيني على جواله  ، لم أستطع أن اكبح جماح فضولي ، راودتني رغبة ملحة  لدخول عالمه الجميل  ، ماذا يكتب لزوجته؟  ما فحوى رسائلها له ورسائله لها ؟، ماذا يسميها ؟ 

فتحت رمز جواله الذي عرفته بالصدفة، وجدت عشرات الرسائل من رقم يسميه( السلطة) كلها قوائم من الطلبات  والأوامر

ضحكت حتى دمعت عيناي عندما وجدت  كل المكالمات التي يتلقاها في المكتب  وجميع الرسائل الرومانسية في جواله …بإسمي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :