الدور الروسي في ليبيا

الدور الروسي في ليبيا

  • محمد عمر أحمد موسى :: رئيس تجمع ليبيا الأمل

خلال حقبة النظام السابق في ليبيا مرت العلاقات الليبية الروسية بأربعة محطات بارزة:-

1. مرحلة (1971 – 1982): خلال هذه المدة توطدت العلاقة بين الإتحاد السوفييني وليبيا إلى درجة كبيرة، وتم تحويل مسار التسليح الليبي الذي كان غربيا بالكامل (49% بريطاني، 18% أمريكي، 11% فرنسي، الباقي متعدد المصادر داخل دول حلف الناتو)، إلى تسليح شرقي بالكامل كان نصيب الإتحاد السوفييتي 92% منه.

صحيح أن العلاقة بين البلدين لم تصل إلى حد العلاقة الاستراتيجية، لكنها كانت وطيدة، ووصل فيها التحالف درجات متقدمة، وشكل الإتحاد السوفييتي طيلة هذه الحقبة مظلة لليبيا داخل مجلس الأمن وفي المحافل الدولية، ولا سيما بعد أن أعلن الراحل معمر القذافي عداءه الصريح للولايات المتحدة والدول الغربية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.

2. مرحلة (1982 – 1990) : بوفاة بريجنيف في العام 1982، دخل الإتحاد السوفييتي مرحلة الشيخوخة، وبرزت للعيان أمراض السقوط، فانكفأ كل بلد على ذاته.

3. مرحلة (1990 – 2000): مع انهيار الإتحاد السوفييتي، عرفت العلاقات بين البلدين برود عمل على التباعد بينهما، زاد من وتيرته سعي روسيا الإتحادية (وريثة الإتحاد السوفييني السابق) إلى التخلص من العلاقات السابقة التي عرفتها حقبة الحرب الباردة مع الغرب. ولم تتجاوز العلاقة بين البلدين في هذه المدة العلاقات الدبلوماسية المتعارف عليها.

4. مرحلة (2000 – 2011): مع بروز نجم رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين منتصف عام 2000، سعى الراحل معمر القذافي إلى إعادة الروح إلى العلاقة التاريخية بين البلدين، وعرف هذا العقد التوسع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتنسيق استخباراتي رفيع المستوى، ورغم سعي الدولة الليبية إلى تنويع مصادر تسليحها إلا أن حصة موسكو كانت فوق النصف في هذه المرحلة.

ربطت بوتين وسيف الإسلام القذافي علاقة وطيدة منذ منتصف الألفية، حيث رأى الأول في الأخير رجل ليبيا القادم.

تسارع الأحداث عام 2011 ومحاولة النظام السابق التعويل على دول غربية مثل كندا وألمانيا واسبانيا، وإفريقية مثل دولة جنوب إفريقيا، جعله يرتكب خطأ فادحا، بعدم اعتماده على دول عظمى تملك حق النقض في مجلس الأمن مثل روسيا الإتحادية أو الصين، كان ثمنه سقوط النظام ودخول ليبيا في أتون المجهول بعد أن أصبحت جزء من لعبة الأمم.

روسيا التي رأت أن الراحل القذافي خذلها بمحاولاته البحث عن حل بعيد عنها، وتعتبر الغرب انتزع منها حليف تاريخي ومنطقة نفوذ مهمة وحساسة، من هنا قرر بوتين منذ العام 2013، أن ينتقم من الغرب عبر ليبيا، وأن يتحين الفرصة لإعادة النفوذ الروسي إلى منطقة شمال أفريقيا عبر البوابة الليبية، ومنذ اللحظة الأولى راهنت روسيا على سيف الإسلام القذافي، ووضعت عدة سيناريوهات لذلك من ضمنها خطة استخباراتية تتلخص في إنزال كوماندوس روسي في الزنتان وتحريره، ومن ثم نقله إلى مكان آمن كموسكو أو غيرها، إلا أن عاملين رئيسين جعلها تتخلى عن خيار تدخل الكوماندوس الروسي، فضلا عما يكتنفه من مخاطر، هما:

· طموحات خليفة حفتر وتطلعاته إلى بسط سيطرته على عموم ليبيا وتتويج نفسه كرئيس وزعيم أوحد في ليبيا، وجدت فيها روسيا ضالتها المنشودة، فسارعت إلى التحالف معه، وعملت إلى تقويته ودعمه ومساندته بشكل كامل، فاق حتى ما قدمته الإمارات أو مصر أو السعودية لحفتر.
ووضعت خبرتها اللوجيستية والاستخباراتية تحت تصرفه، فضلا على أنها شكلت غطاء سياسي له في المحافل الدولية.

· إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي من معتقله في الزنتان، جعل روسيا تتواصل معه بشكل مباشر عبر جواسيسها الذين دخلوا الغرب الليبي كمستثمرين أو باحثين أو علماء آثار (إثنين منهما – مكسيم شوغالي وسمير سويفان- يقبعان في سجون حكومة الوفاق منذ اواخر يونيو 2019).منذ الوهلة الأولى، لم تضع روسيا كل بيضها في سلة حفتر، بل كان رهانها الأساسي سيف الإسلام القذافي، وقد عززت الهزائم الأخيرة التي مُني بها حفتر في الغرب الليبي مدى رجاحة هذا الخيار الروسي، والتي أدت إلى تراجع دور حفتر على الصعيد السياسي. في تقرير مطول أعده أنتوني لويد (Antoine Lyod) أحد أبرز المراسلين الحربيين لصحيفة الصنداي تايمز (Sunday Times) البريطانية في منتصف يونيو الماضي، يتحدث عن خطة متكاملة بصيغة باور بوينت (Power Point)، وُجدت مخزنة في الحاسوب المحمول للجاسوس الروسي مكسيم شوغالي، المعتقل في طرابلس) تتحدث وبالتفاصيل عن خطة لإطلاق حركة سياسية بزعامة سيف الإسلام أطلق عليها اسم “نهضة ليبيا” وتقترح الوثيقة ضم شخصيات فبرايرية وازنة في الحركة السياسية (معظمهم من المغاضبين) للحكومتين المتنازعتين على السلطة. وبرنامج عملي لوجيستي لمدة ستة اشهر يتضمن الخطوات الإجرائية لكيفية العودة بشكل كاسح لواجهة العمل السياسي من جديد في ليبيا.

خلاصة القول، أن رهان روسيا ومنذ البداية وحتى الآن كان على سيف الإسلام القذافي، ومرحلة التعاطي الكثيف مع خفتر كانت محطة في الطريق لتعزيز حظوظ سيف الإسلام للعودة مجددا ولا يعني هذا أن روسيا تخلت عن حليفها في الشرق الليبي حفتر، بل العكس هو الصحيح تماما. فالخبرة السياسية لروسيا الإتحادية وريثة الامبراطورية السوفييتية، لا تجعلها تغامر بوضع كل بيضها في سلة واحدة.

فهل تسهم التحركات الروسية في ليبيا في حل الأزمة أم تعود بها إلى مربعها الأول؟


شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :