ايغِفْ امِسْقَاس نِيمَارِيغِن ” رَأسُ السّنَة الأمَازِيغِيّة ” تَقْلِيدٌ فِلَاحِيّ قَدِيم (1)

ايغِفْ امِسْقَاس نِيمَارِيغِن ” رَأسُ السّنَة الأمَازِيغِيّة ” تَقْلِيدٌ فِلَاحِيّ قَدِيم (1)

تقرير / شعبان التائب

يحتفل الأمازيغ يوم 13 يناير من كل عام برأس السنة الأمازيغية ، ويسمى هذا الاحتفال ب ينار والناير و ايغف امسقاس ويصاحبه الكثير من الغموض والجدل وبعض التساؤلات حول هذه العادة التي مارسها منذ زمن بعيد يصعب تحديده ولا زال يمارسها عدد كبير من سكان شمال أفريقيا ، فمن هم الأمازيغ؟ وما هي سنتهم الأمازيغية؟ وما مظاهر هذا الاحتفال وأبرز خصوصياته؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عليه في هذا التقرير. إيمازيغن إيمازيغن ومفردها مازيغ وتعني الرجل الحر المتمرد الذي لا يمكن استعباده ، عرفوا في المراجع التاريخية باسم البربر وهو اسم لايحبذونه ، وترديده أو بالأحرى الإصرار على ترديده من البعض هو خطأ شائع وكبير في حق الأمازيغ ، فالبربر أو البرابرة كلمة لاتينية تعني المتوحش الهمجي والبدائي أطلقه الرومان على كل الشعوب الغريبة عنهم مهما كانت هويتهم ومنهم الأمازيغ ، والتصق بهم هذا الاسم أكثر من غيرهم بعد أن استعمله الرومان كمصطلح سياسي يطلق على الشعوب المتمردة عليهم والخارجة عن طاعتهم ، وهذا ما ينطبق على الأمازيغ فأصبحوا برابرة متوحشين في نظرهم ، وعند دخول العرب شمال أفريقيا لأول مرة عام 669 وجدوا هذا الاسم متداولا عند الرومان فأخذوه عنهم وحافظوا عليه واعتمدوه في كتاباتهم عن الأمازيغ . هذا عن التسمية باختصار أما ديموغرافياً فالأمازيغ ينتشرون في الرقعة الممتدة من شرق نهر النيل إلى ما كان يسمى ببحر الظلمات غرباً وهو المحيط الأطلسي حالياً ، ومن البحر المتوسط شمالاً إلى جنوب الصحراء الكبرى والساحل الأفريقي جنوباً ، حاليا يشكلون أغلبية عرقية في شمال أفريقيا منهم الناطقون بالأمازيغية ومنهم غير الناطقين ، هذا يعني أنهم أغلبية عرقية وأقلية لغوية ، على عكس المكون العربي الذي يشكل أقلية عرقية وأكثرية لغوية ، أغلب الأمازيغ يعتنقون الدين الإسلامي ، مع وجود بعض اليهود في المغرب وتونس ، والمسيحيين في مصر وجزر الكناري ، وهم من الشعوب القليلة التي اعتنقت الديانات السماوية الثلات حسب تسلسلها . تتفق جميع الدراسات تقريبا التاريخية منها والأنثروبولوجية والديمغرافية على أن الأمازيغ هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا منذ القدم ، وأن لهم حضارتهم وثقافتهم التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب ، وأن لهم إسهامات كبيرة في مسيرة الحضارة الإنسانية في مختلف المجالات ، وأنهم أسسوا ممالك قوية عبر التاريخ ، و حكموا مصر الفرعونية لمدة قرنين من الزمن . أمازيغ ليبيا الأمازيغ في ليبيا هم أيضا يشكلون أغلبية عرقية وأقلية لغوية ، من بينهم الناطقون المحافظون على لغتهم وغير الناطقين ، أما العادات والتقاليد الأمازيغية فمازالت تمارس عند عدد كبير من الليبيين الذين هم في أغلبهم أمازيغ غير ناطقين دون شعور أو إلمام منهم بأن هذه العادات ما هي إلا امتداد لماضي وثقافة أسلافهم الموغلة في القدم ، يتمركز الناطقون في مدينة زوارة وأغلب مدن وقرى جبل نفوسة وفي أوباري وغات وسبها وغدامس وأوجلة ، والجميع ” أمازيغ الساحل والجبل وتنيري والواحات ” يتكلمون لغة أمازيغية واحدة مع بعض الاختلاف في اللهجات .

التقويم الأمازيغي ورأس السنة الأمازيغية التقاويم بصفة عامة قديمة قدم المجتمعات البشرية ، بدأت بشكل بدائي بسيط قسمت فيه السنة إلى فصول ثم في مرحلة لاحقة قسمت الفصول إلى شهور والشهور إلى أيام ، إلى أن وصلت فيه التقاويم إلى ما وصلت إليه اليوم ، وهناك بعض المجتمعات أضافت الصبغة الدينية على تقاويمها لإعطائها نوعا من القداسة كربط التقويم المسيحي بميلاد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ، والتقويم الهجري بهجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . أما التقويم الأمازيغي فهو واحد من بين أقدم التقويمات التي استعملها الإنسان على مرّ العصور إذ استعمله الأمازيغ منذ 2966 سنة أي قبل 950 سنة من ميلاد المسيح عليه السلام وهو مبني على النظام الشمسي ويعرف كذلك بالتقويم الفلاحي، وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري فإن التقويم الأمازيغي ليس مرتبطا بأي حدث ديني أو تعبدي بل مرتبط بحدث تاريخي سياسي وثقافي متأصل متجذر في هذه الأرض ، وبغض النظر عن ارتباطه بالملك شيشنق و اعتلائه عرش مصر فهو تقويم فلاحي في الأساس الغرض منه تحديد مواسم الحرث والحصاد وتحديد نوعية المنتوج المناسب لكل موسم والوقت المناسب لزراعته أو غرسه والاهتمام به ، واحتفال الأمازيغ بهذه المناسبة هو حدث يرسخ ارتباطهم بالأرض التي عشقوها دوما وخاضوا الحروب للدفاع عنها.

ايغِفْ امِسْقَاس ” رَأسُ السّنَة” بَيْنَ الحَقِيقَة التّارِيخِيّة وَالمِيثُولُوجْيَا القَدِيمَة

 يقول الأستاذ والباحث الجزائري مصطفى صامت إن أفضل وأسهل طريقة لفهم الناير أو ينار من زاوية علمية وتاريخية هو أن ندرك أنه مركب من ثلاثة عناصر وهي كعيد وتقليد فلاحي قديم ، وكميثولوجية (أساطير شعبية ) ، وكإبداع حديث للحركة الأمازيغية. 1- عيد وتقليد فلاحي لكل شعوب العالم تقاليد وأعراف وأعياد تمارسها وتحييها وتتوارثها جيلا بعد جيل ، بعض هذه الأعياد والتقاليد دينية وبعضها فلاحية وبعضها تاريخية ، وللأمة الأمازيغية الساكنة في شمال أفريقيا منذ آلاف السنين أعيادها كذلك والناير واحد من هذه الأعياد والتقاليد التي ورثوها عن أسلافهم وهو عيد فلاحي ، يمارسه الأمازيغ كل 12 أو 13 أو 14 يناير (حسب المناطق ) وهو علاقة بين الإنسان والطبيعة تتم عبر ممارسة بعض الطقوس التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس ورجاء أسباب الخير والسعادة في محصول زراعي وافر للسنة الجديدة التي ستبدأ بعد 12 يناير الذي يعتبر فاصلا بين زمنين الأول فيها شتاء قارس وغاضب و”موت الحياة في التربة ” ونفاذ المخزون الغذائي للسنة الماضية والزمن الثاني الجديد و هو بداية الاعتدال وظهور الاخضرار و”الحياة ” في التربة والاستعداد لمباشرة العمل الفلاحي لجني محصول جديد . 2 – الناير كميثولوجية (أساطير شعبية ) إن يناير الذي قلنا إنه يمثل إحتفالا شعبيا لبداية السنة والذي كان يخص الفلاحة والمناخ يضيف الأستاذ الصامت ” قد ارتبطت به أساطير شعبية ، تناقلها الأجيال مع الوقت ، و من بين هذه الأساطير الشائعة هو احتفال بعض سكان شمال أفريقيا بنصر أجدادهم على الفراعنة المصريين ، نجهل حاليا إذا كانت هذه الأسطورة التاريخية قد حدثت في نفس الفترة الزمنية (رأس السنة الأمازيغية ) أم أنها وقعت في فترة زمنية أخرى في السنة تم ربطها أو الخلط بينها وبين رأس السنة الأمازيغية الفلاحية ، لكن المؤكد منه هو أن شيوخا كبارا في مناطق شمال أفريقيا لازالوا يكررون أسطورة نصر الأمازيغ على الفراعنة خاصة عند أمازيغ آث سنوس بتلمسان غرب الجزائر ، كما أننا نجد في المعطى الطوبونيمي أسماء عديدة لمصطلح فرعون ، وفي كل مناطق شمال أفريقيا في الأوراس ومنطقة القبائل وجبل فرعون في تلمسان التي يكرر فيها سكان آث سنوس أنه الجبل الذي انهزم فيه الفرعون المصري ضد الأمازيغ الذين أطلقوا عليه الأسود كما تقول الأسطورة. لابد وأن السؤال الذي بادر أذهانكم بعد هذا السرد البسيط هو : هل هناك معطيات تاريخية تؤكد أو تثبت هذه الأسطورة الشعبية التي ارتبطت برأس السنة الأمازيغية ؟ الجواب حسب الصامت أيضا هو نعم : لدينا من الوثائق التاريخية ما يثبت أن أسلاف الأمازيغ قد خاضوا حروبا كثيرة ضد الفراعنة ، أهمها على الحدود المصرية الليبية وبعضها داخل أراضي شمال أفريقيا وهي التي تهمنا لنقارنها بـ الأسطورة الشعبية القديمة ، ومن بين هذه الوثائق التاريخية نجد ما يسميه مؤرخو المصريات باللوحة الليبية أو صلاية الجزية الليبية أو لوحة التحنو والتي تظهر في رسوماتها (كما هو متفق عليه في الدوائر العلمية ) أن المصريين دخلوا إلى أرض الأمازيغ التي كانت تسمى آنذاك ” ليبيا ” أو أرض التحنو وقاموا خلالها بحرب ضد شعوب التحنو (التسمية المصرية للأمازيغ قديما) عاد المصريون بانتصار باهر محملين بغنيمة كبيرة رسمت على اللوحة على شكل صفوف من الثيران والحمير والكباش من تحتها أشجار زيتون وكتب بجانبها علامة تصويرية تُعتبر من أقدم العلامات الكتابية وتدل على كلمة ”تحنو“ بمعنى أرض ليبيا اﻟﻤﺠاورة والأهم من كل هذا رسم في نفس اللوحة مجسمات مستطيلة اتفق علماء المصريات على أنها مدن ليبية محصنة ، كانت متحالفة فيما بينها ضد المصريين ، ورد بداخلها علامات الهيروغليفية فسرها المؤرخون على أنها أسماء تلك المدن، وهذا أكبر وأقدم دليل على وجود مدن أمازيغية محلية قديمة تأكدت من خلال صورة الغنيمة التي حصل عليها المصريون بعد الحرب والتي تترجم الثروة الفلاحية من ماشية وعبيد (كثرة السكان) وزراعة الزيتون الذي يترجم الاستقرار والتمدن. (03) . نستنتج من هذه المعطيات أن أسطورة وقوع معارك بين الأمازيغ والفراعنة داخل التراب الأمازيغي (شمال أفريقيا) هي حقيقة حقا ومؤكدة من خلال الكتابات المصرية القديمة المنقوشة على جدران أهرامات مصر ، رغم أنها تسجل لنا انتصارات مصرية على الأمازيغ وليس العكس كما تقول الأسطورة إلا أن احتمال وجود معارك فاز فيها الأمازيغ على المصريين وارد جدا ، هذا لأن التاريخ المصري – الأمازيغي وصلنا من وجهة نظر المصريين فقط ومن الطبيعي أن ينسب المؤرخ المصري الذي يعتقد بألوهية الفرعون كل الانتصارات له ، فمن المؤرخين من يشكك في صحة أخبار هذه الانتصارات خاصة ما جاء حول انتصار الفرعون منفتاحMenephtahعلى الجيش الذي قاده القائد الليبي مناريايMaraiouالذي يعرف أيضا باسم مارايابوي ملك اللوبوLebouهاجم الدلتا بجيش مكون من الأفارقة الليبو ،والمشوشاMashaouashaوالقحقKahakaومن الأقوام التي عُرفت بشعوب البحر والتي تحالفت مع الليبيين الذين كانوا الأغلبية في هذا التحالف، وكانت لهم القيادة وذلك سنة 1200 ق.م وقد انتصر المصريون في المعركة التي مات فيها 6365 من اللوبيين و222 من الشكلاشا و746 من التورشا. (05) ،فالوثائق المصرية التي تقول بانتصار منفتاح في المعركة تتناقض مع ما تشير إليه الوثائق المؤرخة لما بعد تلك الواقعة ، حيث تظهر الوثائق أن العنصر الأمازيغي أصبح مسيطرا على الجيش وعلى الشأن الديني بمصر وما هي إلا سنوات حتى يصبح حكم مصر على يد قائد المشوش الأمازيغ شيشنق سنة 950 ق.م.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :