سنون التيه

سنون التيه

2019_2023.

أسامة عبدالنور كوسو

  أبناء العواصم في مختلف بقاع العالم يقدسون مدنهم تقديسا بالغ الوصف ، ويمنحون لأنفسهم نبوءة المعرفة ،وتتعالى شمسهم في ظلام الركب التقدمي ، ويتوجون زبد فكرهم بالركوز البالغ بالتميز والتفرد.

لاشك ، أن العواصم تمنح وشماً خاصاً لأبنائها يتمايز به عن باقي المدن والقرى والأرياف ، ليُشار إليه بالبنان أن ذاك ابن العاصمة.

مرزق (عاصمة فزان الأبدية) لم تكن رقعة جغرافية في كنف الدولة فحسب ، ولم تكن مجرد واحة تكتظ بالبشر أسودهم وأبيضهم ينعمون بثمرها، ولا مجرد سماء تظل قوما بظلالها تمطر متى شاءت وتعصف ما تشاء.

تلك البلد صنعت فارقاً في ليبيا عامة وفزان خاصةً،  والتاريخ يهمس في أذن السائل مواقف وطنية سجلها التاريخ باسمها ، وصنائع ثقافية وفنية حاكت نسيج فكر تليد تخمرت حروفه لدى كل مرزقي يقابلك صدفة.

 شاء الله أن تعصف رياح كانت معركتها مع الجذور لا مع الأوراق والأغصان المرهفة لينتشر أهل مرزق في ربوع ليبيا في مدنها ، وقراها ، وأريافها ، وعماراتها ، وسفوحها ، وجبالها، حاملين نواميس وحكايات وفنونا وإرثاً و لغةً وفكراً أودعته مرزق في جيوبهم حين خرجوا.

كلٌ منا أدار البوصلة في اتجاه ليبدأ رحلة الإقامة ، مرغمين على اختلاف الاتجاهات (لا مخيرين) ومرغمين على القبول ، الكل أعلن الاستعداد للتأقلم ، والتأقلم حكاية !!  فقد يزيد من طاقتك ، أو يفقد بعضك ، أو يصنع منك شخصا آخر..

صافحت جُل المدن الليبية  عائلات العاصمة ، والعناق كان عربون الود ، و الكرم الطائي يلوح كالسحب بين مدينة وأخرى بعضها ممطر وآخر يحجب ضوء النهار فقط.

انطلق المرزقي للعمل وسط زحام المدن لتدور معه عجلة التحصيل للقمة العيش ، مبتسماً ، شغوفاً لحياته المرغم لعيشها ، وما إن يأتي الليل حتى يفتح صفحة الذكريات التي تسرقه من عقارب الساعة لمسقط رأسه مرزق.

الغربة للمرزقي كانت رصيدا معرفيا يحوي في ثناياه، وجوها ورجالات، ومواقف ، وحوادث بعضها سبّب مسخاً سيكولوجيا دائماً في عقلية المرزقي ، وبعضها صحّح خطأ اعتقاده في العموم  ، وبعضها تعرّى للمرزقي  مكان وقوفه من جبل الحياة.!

وبعد هذا ( التيه بسنواته الطويلة ) تقول مرزق لكل ليبيا شكراً، وتقول لكل القرى والمدن والأرياف شكراً، وتقول للتاريخ لازلت في مقدمة الصفوف وأوائل الصفحات وغرّة فزان الأبيّة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :