عندما يكون النص أكبر من دهشة استيعاب المتلقي !

عندما يكون النص أكبر من دهشة استيعاب المتلقي !

بقلم :: المهدي الحمروني

تنطلق الصداقة مع أديب أو شاعر في عوالم التواصل الحديثة بما تتيحه من نشر، فتقرأ له وتُعجبُ ، وتدون تعليقك بقدر ما يترجم شغفك بالنص،و لا يبادلك بكليهما.. فلِمَ ياتُرى .. !!؟.. هل هو الكِبرُ على قيمة النص !؟ .. أم لأنه أكبر قيمة من منتجه !؟،، وأن التفاعل سيمعن ويضاعف من تجلّيه وجلاءه حين يصدق الانفعال !؟..
هذا للأسف مشهد مؤسس ومزمن يتجلّى في سطوة العلاقات الشخصية وتحيزها على حساب المضامين، وهي ظاهرة رصدها قديماً الشاعر الكبير عبدالوهاب البياتي في أواخر الثمانينات، حينما شرّح المشهد واصفاً الشعراء العرب بأنهم يقرأون لأنفسهم و ينغلقون على بعض .
ثمة طرح واحتمال آخر ، “وهو أن النص ربما أكبر من دهشة استيعابهم ” حسب رأي أحد النقاد ، أو أن صوتاً جديداً بروح حرة بالمطلق يدعو للإنبهار والتخوف ، بحسب نفس الناقد .
إن تسليط الضوء على هذا ينطوي على عمق سبر النفس الإنسانية وضعفها الذي يغالب الحالة الإبداعية ويلازمها، ورغم أن الكثير يرصدها ويُسلّم بها كحالة سائدة في الفن ، ويردّها لعمق شعور الفنان المبدع بالتهميش والقهر الموارب، إلّا أنني أُرجعها للوهن المزمن في الذهنية العربية تجاه الهوس بالسلطة، والقمع والذكورية،وربما المراهقة الأزلية نحو المرأة .
وهذا يكرس التناقض لدى السلوك العربي مع الديمقراطية ، والإزدواجية والإنفصام في التداول والتناول للنص كمضمون ، إلى صاحبه كهوية .
وإذا سلّمنا بالإستسهال الجائر للتذوق الإبداعي، الذي أذكاه الفيض الإعلامي الألكتروني، فإننا سندرك بيسر وبساطة حجم الصمت حيال أي استثناء يجبر على التذوق والدهشة والإنبهار .
بالمقابل ليس من العدل بديهياً أن يُتهم الناقد أو المبدع أنه معني بإسقاط الحالة عليه أو على نصه ، وهو يطرح استيعابه لمجمل التناقضات تلك على دائرة ضوءه أو محيط ظلّه ، بقدر ما يؤدي أو يساهم حراكه للراكد والغير المطروق، في أهمية فعل التنوير والكشف ، ودراسة الظاهرة وتأثيرها على التعاطي الكرتوني في المشهد الشعري والثقافي، الممسوخ عموماً بالمساحيق والفقاعات، والنابع من هشاشة البنية وضحالتها.
وما أشبه الحالة التي تنيخ بغبارها على المبدع في مواجهة عسف الإنصات والإصغاء، بالحالة النبوية تاريخياً وراهناً، إذ ليس يلزم لكل نص أو وحي صدّيقاً كأبي بكر ..
إن ماتجمعه الكلمة الإبداعية
” ككلمة سواء ” وكنص محايد بصدقها ومصداقيتها ، يتطلب إنصافها ومبدعيها، وتجاوز الأسماء والعلاقات التي تقفز على قيمة وروح المنتج الإبداعي .
يقول المتنبي – في أجلى معاناته في بلاط الأدب مع كيد مجادليه وتجاذباتهم – ::
أجزني إذا ما قلت شعراً فإنما
انا الطائر المحكيُّ والآخر الصدى
والجائزة هنا هي ذروة الإنصاف المعنوي لدى المتلقّي ..

ورد كتعليق على مقال غربة نص للكاتبة سليمة بن نزهه المنشور بتاريخ 7 يونيو / 2017

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :