فسانيا تحاور الشاعر والروائي المغربي محمد البوعبيدي

فسانيا تحاور الشاعر والروائي المغربي محمد البوعبيدي

  • حاوره :: سالم الحريك

أستطيع وصفه بالقارئ النهم والمتذوق لمختلف صنوف الأدب وهذا ما جعل حبره يسيل شعراً ونثراً قصيدة ومقصة وراويةً يتأثر بالأدب بشكل عام ولو عاد به الزمن إلى الوراء لتخصص في الأدب وتعمق فيه بشكل أكبر فهو العشق الذي لا ينتهي.

من هو محمد البوعبيدي وكيف تحب أن تقدم نفسك للقراء الكرام ؟

ماذا أقول لك؟
هذا من أصعب الأسئلة: كيف يمكن أن تقدم نفسك؟
لا أستطيع ان اقدم نفسي دائما ولكن سأقول لك تجاوزاً محمد البوعبيدي، شاعر وكاتب مغربي، مارست القراءة والحفظ والكتابة منذ الصبا شعرا ونثرا، وكانت النتيجة دواوين شعرية أولها “جنون اليرقة” يضم قصائد حكائية ثم “الطلقات” يضم قصيدة الطلقة كما أحب أن أعرفها في مجموعة من كتبي، ثم رواية، والحديث هنا عن “المذنبون” كرواية أولى و”الخادمة” كرواية ثانية ورواية “الكوابيس” ثم “الأحلام لا تشيخ” ثم “استيفانكو” والبقية تأتي ان شاء الله.

ماهو تخصصك الدراسي وهل له علاقة بمجال الأدب أم أنك درست مجال آخر تماما؟

قبل البكالوريا، كان التخصص لدينا في المرحلة الثانوية أدبي أوعلمي، وانا اخترت الأدبي وكنت احفظ الأدب، ولكن بعد ذلك انتقلت الى الجامعة ودرست الاقتصاد في الليسانس، صحيح أن الاقتصاد ليس له علاقة كبيرة مع الأدب، ولكن نصف الاقتصاد هو كذلك أدب درست معلومات علمية وبعيدة عن الأدب ولكن ما استفدته من هذه الدراسات الإقتصادية هو اننا كنا ندرس مواداً عن تاريخ الأدب الاقتصادي باللغة الفرنسية وعن تاريخ الاقتصاد العالمي وهذه الدراسات الإقتصادية ساعدتني أن أكون أكثر الماما بالكتابات الفرنسية عن تاريخ الرأس مالية والاقطاعية والاشتراكية وما إلى ذلك وهذه النقطة الوحيدة التي استفدتها أدبياً من خلال دراستي للاقتصاد بالإضافة إلى اللغة الفرنسية التي تمكنت منها بشكل كبير

ندخل الآن إلى عالم الأدب.

بمن تأثر محمد البوعبيدي في قراءاته وكتاباته بشكل أكبر؟

في الوقت الذي كنا نعيش فيه كنا نعاني من مشكلة في التوجيه، كانت نفوسنا وعقولنا جامحة وكنا نتبعها فقد كنت متمكناً في الجوانب الأدبية والعلمية إلى درجة انني حاولت التوفيق بينهما في دراسة الإقتصاد وايضا كانو يتحدثون عن الاقتصاد أنه تخصص جميل وله آفاق في العمل وكل هذه الأشياء وان من يقال عنهم بأنهم متميزون هم طلبة الإقتصاد فدرست الاقتصاد لهذه الأمور وايضا كان هناك تحدي فقال لي بعض الاقتصاد بأنني لا استطيع فعلها ففعلتها كانت له حسنات معي ولكن لو عاد بي الزمان إلى الوراء لدرست الأدب ولذهبتُ فيه بعيدا تأليفاً ومعرفةً وقراءةً ولتخصصتُ في الأدب كما أحبه واحببته من قبل لأنني دائما أعتبر بأن الأدب هو عالمي ومستقبلي.

بمن تأثر محمد البوعبيدي في قراءاته وكتاباته بشكل أكبر؟

لم يكن همي في بادئ الأمر إلا معرفة تاريخ الأدب العربي ولم اتأثر بشخص بحد ذاته سوى بشخصية الشاعر أبي الطيب المتنبي وقد تأثرت بشكل أقل بشعراء الجاهلية وتأثرت بقصصهم كقصة امرؤ القيس مع حبيبته عنيزة كذلك ببعض الشعراء الأمويين وتأثرت بقصص بعضهم وقرأت كثيراً للعباسيين بالخصوص وتأثرت بالعديد من شعراء العصر العباسي وقصصهم و كذلك بالنسبة للشعراء المحدثين والكلاسيكيين الجدد أحمد شوقي كثيراً وحافظ ابراهيم وبالأدباء العرب الجدد بالعقاد والمازني وطه حسين بنجيب محفوظ ويوسف السباعي وبكوكبة من الأدباء وقد درست معارك الأدب واحببتها كثيراً.

ودرست كذلك الأدب الانجليزي وقرأت لديكنز ورواياته وفيرجينيا وولف قرأت شيكسبير ومعظم مسرحياته والأدب الروسي لدوستويفسكي وتولوستوي ونابوكوف وغوركي والمعطف لغوغول ولكنني لم اتأثر بشخص بالذات بقدر ما كنت اتأثر بالأدب عموما والمراحل المختلفة انا قرأت الشعراء الغرب وقرأت حتى الفن التشكيلي الغربي والنحت والعمارة والمسرح هذا ما جعلني لا اتأثر بشخص بذاته ولكنني اتأثر بشكل عام بالجميع.

على صعيد الأعمال هناك العديد من الأعمال التي أثارت انتباهي منها في الرواية على الخصوص كالبحث على الزمان المفقود لمارسيل بروس كثلاثية نجيب محفوظ وثلاثية مولود فرعون الجزائري وأعمال دوستويفسكي وديكنز وميلتون وبعض الأدباء الأمريكان لا يسعني المجال لذكرهم.

أي انني اتأثر بشكل عام ولكن لو أردت التخصيص فالأكثر تأثيرا ربما الشاعر أبي الطيب المتنبي و كذلك أحب عقلية عباس العقاد.

تقرأ في الأدب بشكل عام شعراً ونثراً و كذلك للعديد من المفكرين المختلفين كيف تحب أن تصنف نفسك أو تضع نفسك تحت أي وصف؟ شاعر أم كاتب أم أديب أم ماذا؟

كنت في الأول دائما أحب أن اسمي نفسي شاعرا واحب من يناديني بالشاعر وكنت ملقبا في المؤسسات التعليمية بالشاعر وأحببت هذا الاسم ولازمني زمنا ولكن بعد وقت طويل وجدت أن الكتابة النثرية تستدعيني من تلقاء نفسها فكنت اهرب منها كثيرا وكنت لا أحاول أن لا أكتب النثر لأنني لا اعتبر نفسي إلا شاعرا ولا احب الا الشعر هكذا كنت اجرد نفسي لكتابة القصيدة فقط ولترجمة كل ما أعيشه وما أراه من صور إلى قصائد حتى لو كانت قصص او حكايات اترجمها الى قصائد بعد ذلك وجدت نفسي غارقا في الكتابة القصصية والروائية وحتى النقدية فلا يضيرني أن اسمى شاعرا أو باحثا كذلك لأن لدي أبحاث.

اذا نتحدث عن محمد البوعبيدي الشاعر أولا.

متى وأين وكيف يكتب محمد البوعبيدي الشعر.

نبذة عن الملامح الشعرية لمحمد البوعبيدي؟

بما أني بدأت بكتابة القصيدة في سن صغيرة جدا في سن الثالثة عشر فإني قد أمضيت حوالي خمسة أو ستة سنوات عبارة عن محاولات شعرية أو محاولة تقليد للقصائد القديمة جمع أو تجميع بعض القوافي ثم محاولة نظم القوافي على منوالها لكنني لم أبدأ بكتابة القصيدة التي احس فعلا أنها تلبي رغبتي في الكتابة وتستجيب لما احسه أو اشعر به إلا بعد سن العشرين حينها بدأت احس ان اكثر من نصف القصيدة فعلا يستجيب لي ولا ينزاح خلف أخطاء القافية والتعبير اللغوي ثم بعد ذلك وبعد سنوات توثقت دائرة معارفي الشعرية النقدية وبخصوص الحفظ وعرفت تاريخ القصيدة العربية الحديثة بدأت أكتب القصيدة بطريقة بدأت احس فعلا أنها أجمل وافضل اما في السنين الأخيرة فقد أحسست أنني وصلت إلى درجة التجديد في القصيدة وبالحديث عن الطلقات فقد عرفت هذه الطلقات في كتاب لي سميته رحلتي مع الشعر سيصدر قريبا ان شاء الله والتي هي قصائد تشبه إلى حد ما الومضة أو الشذرة او اللافتة أو القصيدة القصيرة لكنها ليست هي نفسها لأنها تتميز بمجموعة من المواصفات المختلفةاللافتة القصيدة القصيرة لكنها ليست هي نفسها لأنها تتميز بمجموعة من المواصفات المختلفة.

هذا بخصوص الشعر على العموم بخصوص متى أكتب فإني لا أكتب إلا عندما يستدعيني الشعر وتستدعيني القصيدة لا يمكن أن اهجم عليها والا فستكون قصيدة غير جميلة.

اكتب عندما أحس فعلا أن الحدث الذي انا بصدده يستحق أن يكون قصيدة وان يُنظم شعرا وهذا الحدث لا يتميز بمواصفات معينة لأنني لم أكتب في موت ابي وكتبت في ناس ابعد ما يكونون عني ولكن الأمر الجازم في هذا هو احساسك انت كشاعر.

ثم كيف أكتب لا أخفيك اني افضل ان أجلس في مكان انا من يختاره في مكتبتي واكتب بطريقتي واكون منعزلاً عن العالم اكتب القصيدة في المرة الأولى ثم أحاول تصحيحها في بعض الحالات.

هناك قصائد تكون ولادتها سريعة وتكتب في وقتٍ قصير جدا وهناك قصائد لا أكتبها إلا في وقتٍ طويل واكتبها بعد جهد جهيد، فولادة القصيدة هي كولادة الطفل احيانا تكون بسيطة وسهلة وقد تحتاج إلى عملية قيصرية.

الشاعر هو مؤرخ اللحظة بكل مافيها من هواجس وافراح واتراح هل تؤرخ لكل اللحظات في حياتِك بحلوها ومرها، أم تتجاوز بعضها دون أن تكتب شيئاً؟

لا أكتب إلا عندما يطفح الإحساس بداخلي ويستدعيني، لذلك فإني لا أملك أن أتجاوز لأنني لا أملك أن أكتب. أما شكل اللحظة و لونها، هل هي حلوة أم مرة، فهذا ليس محددا للكتابة الشعرية أبدا. المحدد الوحيد بالنسبة لي هو الاستدعاء.

كما ذكرت سالفاً بأنك تأثرت على صعيد الشعر سواء بالشعراء القدامى والذين كتبو الشعر المقفى وكذلك بالشعراء المتأخرين والجدد وبعضهم من كتب الشعر الحر.

أيهما أقرب إليك وأين تضع نفسك بين هؤلاء وهؤلاء؟

لم أكن يوما مهتما بشأن هذا التطور الذي أصاب القصيدة العربية فنعتوها بالحداثة عبر تطورها شكلاً ومضمونا من قصيدة عمودية تعبر عن الجماعة إلى قصيدة حرة أو قصيدة التفعيلة والتي توسم في أكثر حالاتها بالذاتية أو الوجدانية.

بالنسبة لي اكتب القصيدة العمودية واجد نفسي فيها كما أنني اكتبها بطريقة ليست كلاسيكية ولكن احتفظ بعمود الشعر والقوافي والاشطر ولكنني لا احتفظ في كل قصائدي بما يسمى بحور الشعر فالبنسبة لي الاهم هو الأمر الذي قد نسمه بالحداثة هو أن تعبر القصيدة عن الإنسان وأحاسيس الإنسان وعن أفكاره وان يحس القارئ بأنها فعلا قصيدة معبرة عنه و كذلك في هذه الحالة فعلا تكون القصيدة أقرب إلى الإقناع.

اما بالنسبة للقصيدة الجديدة أو قصيدة التفعيلة أقسمها إلى قسمين القصيدة الحرة التي تعتمد على الايقاع الداخلي وتتخلى عن الإيقاع الخارجي وقصيدة التفعيلة كما كتبتها نازك الملائكة وكما كتبها بدر شاكر السياب والتي تحتفظ بالكثير من ايقاعاتها الخارجية وانا امارسهما معاً واكتبهما معاً وأرى بأن الصورة الشعرية في بعض الحالات هي نفسها تختار هل تكتب بطريقة عادية أو بطريقة حرة.

كيف تقدم لنا رواياتك وهل توجد قضية رئيسية تسلط عليها الضوء غالباً في أعمالك الروائية أم أن الخط أو القضية التي تسلكها في رواية ما لا تعيد طرحها في عمل آخر؟

بالنسبة لكتاباتي الروائية أخبرك سرا بأني لا أكتب قضية بعينها أو موضوعا بعينه ولكن كل رواياتي وكل كتاباتي الروائية هي بمثابة سير حقيقية ووقائع حقيقية المذنبون هي قصة واقعية حقيقية حكيتها بحذافيرها الخادمة هي الجزء الثاني للمذنبون الكوابيس هي قصة حقيقية لإمرأة متزوجة وزوجها قاتل ودخل السجن الأحلام لا تشيخ هي قصة حقيقية حكتها لي امرأة عاشت حلما في الواقع و ستيبانكو هي رواية تاريخية وانا الان منهمك في كتابة رواية بعنوان أسطورة…… هي كذلك قصة حقيقية لرجل اعتبره أول مجاهد ومستشهد في تاريخ المغرب وهي رواية ستعيد طرح مجموعة من الأسئلة بخصوص تاريخ المغرب وطريقة كتابة تاريخ العالم.

وإذن من هنا أقول بأنني لا أكتب أي شيء ولا أؤمن بشيء اسمه الخيال بقدر ما اكتب ما أعيشه ولم أهتم بموضوع بالضبط بل انني لم أصل بعد إلى مستوى التفكير في البحث عن مواضيع الساعة وكتابتها بقدر ما اكتب المواضيع التي تستدعيني.

احاول ان أتطرق إلى هذه السير بلغة جميلة واسلوب حبكة متميزة حتى تكون الكتابة الروائية في المستوى المطلوب.

نستطيع أن نقول أنك تميل إلى حد ما للأدب الواقعي كما يُقال؟

نعم جوابا عن السؤال أميل كثيرا إلى كتابة الأدب الواقعي سواء في القصيدة أم حتى في الرواية.

في القصيدة اصطنعت الطلقات باعتبار أنها معبرة عن الواقع تماما وتعبر عن مشهد واحد ولقطة واحدة وحدث واحد في زمن واحد لكن تبقى مضربة للمثل أو كأنها حكمة وبذلك انا استقي كل الصور الشعرية لقصائدي الطلقات التي تعتبر قصيرة جدا كالومضات واللافتات ومن الواقع تماما ومن المفارقات التي اعيشها في حياتي اليومية.

تتعدد الأسماء والعناوين في مؤلفاتك سواء الشعرية أو الروائية ما انتهيت منه وما انت بصدد إنجازه مستقبلاً.

هل نستطيع وصفك بالكاتب أو المؤلف أو الشاعر الزاخم وهل يرجع هذا لتعدد قراءاتك واهتماماتك ربما أو أنك تمتلك الكثير من الوقت والظروف الجيدة المساعدة على الكتابة بشكل عام؟

نعم سؤال جميل جدا.

احيطك علما بأنني من القارئين ومن المهتمين بالمعرفة والثقافة منذ صغري منذ سن الحادية عشرة كنت مهتماً كثيرا بالقراءة قراءة الكتب والاشعار والروايات القصص القرآن التفاسير قراءة السير بالخصوص فكنت كثير الاهتمام بالسير لأن السير بالنسبة لي هي مدخل من مداخل المعرفة وقد تعدلت هذه القراءات نثرا وشعرا وبإمكاني أن أقول أنني فعلا قارئ متعدد وكاتب متعدد.

خلال كتابتي اجد انني استلهم قصصاً أو استلهم حكايات أو أفكار هي موجودة في ذاكرتي أو في ثقافتي القرائية فأستعملها فأنت تكتب اولا بتجربتك وتكتب ثانيا بمعرفتك انت لا تكتب ما تراه وما تعيشه ولكنك تكتب لتقارن ولتبدي شيئا وتكتب لتخفي كذلك فهذه آفة أو ظاهرة من ظواهر اللسانيات حاليا فنحن لا نكتب دائما لكي نظهر أو لكي نبدي ولكن نكتب أيضا لكي نظهر ولنتمكن كثيرا من ادواتنا في الكتابة ومن وسائلنا في الكتابة علينا أن نكون قارئين متميزين بقراءة شاملة وشمولية تلتف على الكثير من المعلومات والأفكار الموجودة لدى الكتاب والروائيين بمختلف انواعهم

توجه في روايتك المذنبون في الإهداء رسالة شكر لمن دعموك وتقول بأنهم سيعرفون أنفسهم بمجرد قراءة الكلمات.

ولكن كيف لنا أن نعرف من هم أبرز داعمي ومشجعي محمد البوعبيدي حتى شق طريقه في عالم الكتابة؟

الإهداء هو عتبة من عتبات الكتاب وقد يكون بمثابة إهداء عام او خاص وقد يكون تصريحا أو تلميحا.

التلميح هو تلك الرسالة المشفرة وهي رسالة مرسلة إلى أشخاص بعينهم وهنا في هذا الإهداء قلت ستعرفون انفسكم بمجرد قراءة هذه الكلمات فإذا لم تحس بأنك عرفت نفسك فلست المعني بهذا الإهداء.

اما بالنسبة لأبرز من دعموني أو شجعوني فأنا لا أعرف شخصا قام بمجهودات من أجلي وأقصد المجهودات المادية ولا أعني بها المال ولكن من دعموني أولئك فعلا الذين يتمنون أن أكون بخير وان أصل إلى مبتغاي وان أحقق الكثير من المجهودات الجيدة وان أصل إلى كل ما يريدونه ويتمنونه في انفسهم.

هذه هي صفات من اعتبرهم ابرز الداعمين لي.

تقول في المقدمة بأن القراءة بحر مخيف حتى للمتمرسين، ما أكثر ما تخشاه في القراءة؟

نعم أقول القراءة بحر مخيف حتى للمتمرسين بل بالنسبة لهم أكثر اقول هذا لكي اكرس العلاقة المشوبة بالحذر بين الكاتب والقارئ لأن القارئ خلال قرائته الكتاب يحاول أن يكتشف كل أوراق الكاتب ثم ينتقل إلى كتاب آخر وفي نفس الوقت الكاتب يحاول أن يخفي أوراقه على القارئ ويصاحبه حتى يستمتع ويصل معه إلى آخر صفحة.

إذن فالقراءة هي عملية شد وجذب بين الكاتب والقارئ فعندما يأخذ القراءة الكتاب فهو يحاول أن يفهم كل شيء من عنوانه لكنه يتوجس خيفة هل وصل فعلا إلى الحقيقة هل اكتشف مايريد أن يكتبه القارئ فيحاول أن يتصفح الكتاب ويحاول أن يقرأ النص الخلفي يحاول أن يقرأ الغلاف والاهداء أن يصل إلى شيء ثم يحاول أن يطل على النصوص الداخلية هكذا عبثا ربما لكي يجس نبض نفسه هل وصل إلى الحقيقة ام لا فعندما يجد نصا مخالفا لما فكر فيه أو لما توصل إليه قلبه ينبض ويقول في الأخير مستسلما عليا ان أبدأ هذا الكتاب من الأول فهذه العلاقة المشوبة بالحذر والشد والجذب بين القارئ والكاتب هي التي تجعل عملية القراءة بحراً مخيفا فعلا.
_____________________
نأتي إلى سياق آخر.

ما تقييمك لواقع النشر في البلدان العربية وكيف كانت تجربتك مع دار نشر ببلومانيا؟

نعم قبل أن أبدأ بالطباعة والنشر كنت أرى أن المشكلة لا تعدو تكون مشكلة قدرة مادية فقط وكنت أعتقد أن عالم المثقفين وعالم مديري المطابع والموزعين والناشرين هو عالم الثقافة وبالتالي فهو لا يمكنه الا ان يحتوي على ما كل هو شريف وما هو خفيف وظريف وجميل وحقيقي لأنه عالم المثقفين وتباطأت قليلاً.

ولكن عندما دخلت إلى عالم الطباعة من بابه الضيق وجدت نفسي أمام دور للطباعة والنشر كل همها ليس نشر الكتاب أو الاستفادة منه أو توزيعه ولكن فقط كان الهم هو الربح المادي.

بدأت هذه التجربة مع طباعة ونشر ديوان جنون اليرقة والطلقات في المغرب فاكتشفت أنني بحضرة التعامل مع الأشخاص المختصين في البيع والشراء يطبعون لك الكتاب ويمنحونك اياه ويقولون لك اذهب وابحث عن طريقة لتوزيعه ونشره انت من تلقاء نفسك وانا لا أحسن هذا ولا اجيده ولا اعرفه.

بعد ذلك فكرت في انتقل إلى بلاد أخرى اطبع فيها ففازت المذنبون لجائزة في دار ببلومانيا للنشر والتوزيع وكان هذا الفوز هو فاتحة الخير بالنسبة لي.

نعم عندما طبعت في مصر حققت الكثير من الأشياء على الأقل من ناحية الانتشار وانتشر اسمي في كثير من ربوع الوطن العربي وتعرفت على العديد من الأشخاص وتعرفو علي بل حتى الإعلام صار يعرفني كثيرا وكان هذا هو الربح الوحيد بالنسبة لي.

حتى مع طباعة الخادمة والأحلام لا تشيخ والكوابيس وكل ذلك المعاناة تبقى هي نفسها باعتبار دور النشر حتى في باقي الوطن العربي لا تهتم إلا بالربح مع أنني اعتبر أنها أفضل بكثير من دور النشر والمطابع الموجودة في المغرب.

انتشرت ربما مؤخرا ظاهرة الكتابة باللهجات المحلية في جانب القصة والرواية عوضاً عن اللغة العربية.

حاورت بعض هؤلاء الكُتَّاب الشباب ولكن ما تقييمك لهذا هل تراه شيئاً مبرراً أم أنها ظاهرة دخيلة على عالم الأدب؟

بالنسبة لظاهرة الكتابة أو حتى الحديث باللغة الفصحى أو باللهجة المحلية فهذا أمر قد تحدث عنه الكثير من المهتمون وكتبو عنه ورغم ذلك فلم يصلو إلى حقيقة واحدة.

اما انا فأرى أن هناك اختلاف كبيراً في هذا الأمر بالذات بين اللغة العربية واللغات الأخرى في اللغة العربية الانتقال بالكتابة أو الحديث من اللغة الفصحى إلى المحلية ليس هو نفسه في اللغة الفرنسية او الاسبانية او الايطالية وكل اللغات التي لم تنفصل عن اللغة الرومانية أو اللاتينية إلا في القرن السادس عشر والسابع عشر وما بعد وليس كاللغة العربية والتي تعتبر قديمة ولا نعرف لها منشأ ولا نعرفها إلا لغة شابة.

اللغة العربية هي لغة القرآن والانتقال من الفصحى إلى العامية هو الانتقال من عالم إلى عالم آخر هذا بخصوص العلاقة بين الفصحى والعامية بالنسبة لي.

اما الكتابة بها في الرواية ارى انه أمر مشروع وليست هناك مشكلة ان تكتب رواية فصيحة وتضمنها حوارات وفقرات بالعامية واستعمال هذا كأداة من أدوات الكتابة.

في روايتي الأحلام لا لتشيخ اضمنها صفحات باللغة الفرنسية وهي مكتوبة باللغة العربية هذا التضمين اعتبره أداة من الأدوات التي تجمل الكتابة الروائية.

اما ان تكتب بالعامية فقط فهذا ليس بالجديد كذلك فقد بدأ مع الحداثة الأدبية في البلدان العربية منذ بداية القرن العشرين فقد كتب بالعامية العديد من المشارقة خصوصا المصريين ومن بينهم واكبرهم بيرم التونسي الذي كان يقول له أمير الشعراء أحمد شوقي أخاف على الفصحى منك.

إذن هذا الأمر فيه كثير من الأقوال فهو أمر ليس مجزوم أو محسوم كما يدعي البعض

ما دور مواقع التواصل الاجتماعي اليوم في خلق قاعدة قراء جيدة وتوسيع دائرة العلاقات والتواصل.

هل استفدت من ذلك كثيرا؟

مازالت الشاشة الصغيرة أو التلفزة تلعب الدور الأول في المشاهدات خصوصا على الصعيد الوطني بالنسبة للقنوات الفضائية.

ولكن هذا لا يعني أنها بقيت على الحال الذي كانت عليه ولكن وسائل التواصل الاجتماعي الآن صارت تلعب دورا كبيرا جدا وربما في بعض الحالات أكبر من التلفزيون نفسه في التعريف والاشهار والإعلان عن المحتويات سواء كانت ابداعية أو غير ذلك بل أن هذه العلاقة بين التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي صارت علاقة تفاعلية فكثير من الأشخاص بدأو في التلفزيون واستمرو في وسائل التواصل الاجتماعي وهناك أشخاص بدأو في وسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم وصلو إلى التلفزيون فالعلاقة بين الاثنين علاقة تكاملية.

بالنسبة لدور التواصل الاجتماعي في الاعلان والاشهار اليوم هو دور كبير لأنها صارت الوسيلة الأولى في التعامل خصوصا على المستوى الإقليمي والعربي والعالمي.

بالنسبة لي أرى أن ما اقوم به من اشهار على وسائل التواصل الاجتماعي لا يرتقي إلى مستوى ما اقوم به وما امثله وما اشتغل عليه بل اعتبر مقصر جدا وهذا لا يرجع لي فقط ولكن إلى العلاقات الموجودة بيني وبين دور النشر والمطابع والصحافة فهي دائما علاقات يشوبها النقص وامور كثيرة تجعلك تتراجع للوراء حتى من دون أن تدري.
سبق وأن تم إجراء معك بعض المقابلات الصحفية والتلفزيونية ربما انا شخصيا شاهدت أحدها على إحدى الفضائيات العربية.

ما السؤال الذي كنت تتمنى أن يتم طرحه عليك ولم يُطرح وكيف تجيب عليه؟

نعم.

قمت بمجموعة من المقابلات سواء تلفزيونية أو إذاعية أو في الصحافة المكتوبة الورقية منها والإلكترونية.

طرحت علي الكثير من الأسئلة المختلفة والمتنوعة وكنت راضٍ دائما عن الأسئلة المطروحة واجيب عليها بالكامل ولم يبقى في نفسي سؤال محدد اتمنى ان يُطرح علي بطريقة خاصة.

ولكن يرجع الأمر إلى المحاور فهو من يحاول أن يستخلص منك عصارة تجاربك مع القراءة والكتابة عموماً بالنسبة لي ليس سؤال محدد.

كلمة أخيرة في نهاية الحوار.

كلمة أخيرة اشكر كل الذين يهتمون بي وبتجربتي لأن دائما اعتبر أن الاهتمام هو المدخل الأساسي للحب.

واشكرك الاخ سالم الحريك من ليبيا الشقيقة والصديق الذي اعيش معه تجربة ببلومانيا واتمنى له دائما التوفيق والسداد في كل أموره وسعيد بهذا الحوار واتمنى ان يبلغ مبلغه من الجد والقراءة والانتشار.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :