بقلم:: محمد عمر غرس الله
كاتب ليبي مقيم في بريطانيا
يلاحظ المتابع للأحداث التي تمر بها المنطقة العربية إستخدام (الإسلام) كمبرر وسلاح، وكأننا لم نعرفه من قبل، (أنصار شريعة – دولة الإسلام – الجهاد – الإستشهاد – الله اكبر – خطب جمعة – فتاوي – وعظ – مشائخ – علماء .. الخ)، هل بلداننا المسلمة تتعرض لعملية (فتح إسلامي جديد)، ألسنا مسلمين منذ 1400 عاما خلت، كيف ومالذي تبدل في هذا )الإسلام( الذي كان دائماً عنصر الوحدة الإجتماعية، تتحطم كل حملات الهيمنة التاريخية، ليحولوه الى مبرر وأداة تحقق الفتن والتدمير، ويسهل الهيمنة الخارجية علينا؟ هل ثمة (إدارة عمليات تدير العمليات الدينية لاهداف معينة) وتستغل القيم الدينية؟، لماذا يتم ضرب (الإسلام الوطني بمذهبه المحلي) المتجذر، وتدمير مراكزه، وتكفيره، والحط من قدر علمائه ومشائخه وإستهدافهم، لماذا وكيف تمت عمليات الإيهام بـ (مركزية الإسلام) التي وحدها تمنح شعوب (الأسلمة اوتكفرها كيفما ومتى تريد)، لماذا تأثرت شعوب بشكل كبير بهذا الوهم، بينما قاوم (الإسلام الوطني بمذاهبه) لدى شعوب أخرى سطوة هذا الوهم، دعونا نرى
تاريخياً عرفت المنطقة العربية الإسلام منذ 1400 سنة، وبعد (وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد للإسلام من مركز تحكم بل صار في قلوب المؤمنين حيثما حلو بأياته البيانات)، حيث خرج أجدادنا الفاتحين الاوئل لنشر الاسلام الذي سرعان ما تلقفه الناس، وإنتشرت مراكز التعليم في المنطقة العربية التي إزدهرت في حفط القرآن الكريم والتفكر فيه، وصارت المساجد، والمحاظر، والزوايا، والكتتايب تاريخياً هي عيون، ومراكز العلم، التي طورت المجتمع، وصعدت عبرها حضارته الكبرى من مكة والمدينة المنورة كل الحواضر العربية التاريخية الى غرناطة في الشمال وحتى تنبكت وتيشيت وشنقيط في الجنوب.
إنتشر الإنتاج الفكري وتنوعت مدارس التفكير ومناهجه، وشيوخه وعلمائه، قاومنا بـــ (الإسلام ومحاظره وزواياه وكتاتيبه) الإستعمار الاوروبي باشكاله، من الأسبان و فرسان القديس يوحنا والاسبان في ليبيا، والفرانكوفونية التمسيحية الكاثوليكية في المغرب العربي وغرب أفريقا كله، قاومنا بإسلامنا ألة القتل والتجهيل والتنصير ، بقى (الحرف القراني) في قلوبنا جيل بعد جيل، إسلام حق متجذر عميق متسامح نسيجه مترابط (بمالكيته وصوفيته، واباظيته، وشافعيته، وحنفيته، وزيديته … الخ) به نذود عن حمانا، له مراكزه المتجذرة في بلداننا، لها دورها ومساهمتها التاريخية في الإنتاج الفكري المنتشر في المخطوطات العلمية التي تأصل فهم الدين ومعناه، وهي تشكل ما يمكن تسميته (الإسلام الوطني وميراثه) الذي يقصد به “إسلام المتجذر في المجتمع كيفما هو شافعي مالكي أباظي …. الخ، وله مراكزه، وزواياه، ومحاظره، وكتاتيبه، وعلمائه، ومشائخه محلياً، والذي تجذر في تربة المجتمع، في طرقه، ومذاهبه المتنوعه والمتعددة، التي واجهت الظروف والتحديات التاريخية للمجتمع المحلي وظروفه وطبيعته، وصار معبراً عن إرادة المجتمع، وحصنه الحصين في مجتماعتنا المحلية، ومراكزها الدينية في كل منطقة على الخريطة العربية، كان لهذا (الإسلام الوطني بمذاهبه) الدور الأكبر في مقاومة الإستعمار ومرحلة التحرر والإستقلال الوطني، وبالتالي تجذره جعل منه سلاحاً وطنياً وقومياً تواجه به امتنا الهيمنة والإستعمار وتحقق مجال إرادتها، وهو طريق التحرر والإرادة العظيمة التي صنعت الحضارة، وقاومت ولا زالت تقاوم عمليات الهيمنة علينا.
ولكن بسبب (الصراع السياسي عربياً ودولياً) الذي أُستخدمت فيه الافكار والتنظيمات الفكرية السياسية، وكان (للإسلام السياسي) دور في هذا هذا الصراع العربي بالإستفادة من الإختناقات المحلية، وأُستخدمت جماعات الاسلام السياسي بأنواعها كسلاح، حيث شهدت أُمتنا عمليات (التكفير) لزعماء ونزع سبغة الاسلام عنهم، لمجرد (الخلاف السياسي)، وتصاعد هذا الامر لاحقا بـــ (تحالف دول عربية مع اللعبة الدولية ممثلة في بريطانيا واميركا وسياستهما في المنطقة) بممارسة (التاثير والتحكم والادارة) على الشباب العربي وتوجيههم (للقتال في مناطق مختارة – إفغانستان – سوريا – العراق – ليبيا – وفق اهداف هذه اللعبة الدولية)، حيث تم عبر تراكم تاريخي صناعة (مركز توجيه للعلميات الدينية) والسيطرة عليه عبر تحالف (اللعبة الدولية والفتوى والإعلام والمال)، وهكذا تدريجياً مع الزمن تم (إدارة عمليات الاسلإم بالوظيفية السياسية بالإستفادة من وهم مركزية الاسلام) حيث تم ويتم التحكم بعناية، ومهارة، في جموع غفيرة من الشباب العربي، عبر العمل في عدة اتجاهات وهي:
الاتجاه الاول: الاستفادة من مشاعر عامة المسلمين نحو الأماكن المقدسة (مكة والمدينة المنورة)، واستغلال (مشاعر الشعوب تجاه القبلة) كمكان مقدساً، والخلط بين المكان وقدسيته و(إسباغ هذه القدسية على سياسات من يشرف عليه إدارياً وسياسيا او من يسكن بالقرب منهً)، حيث يصعب على العامة الفصل بين (قدسية المكان وتاريخه، والسياسات وتوجهاتها السياسية وخصوماتها).
الاتجاه الثاني: السيطرة شبه التامة على (الوعظ الديني العابر للحدود وإستخدامه سياسياً) عبر منظومة محكمة لها مراكزها المتحكم فيها بعناية وبإدارة قوية (قسم الفتاوي في المخابرات السعودية)،عبر بناء تراكم عبر الزمن، والإستحواذ على فضاء (الفتوى العابرة للحدود)، وصناعة نجوم لها تحت اسم (علماء ومشائخ) بالإستفادة من مشاعر الشعوب وعواطفهم تجاه الأماكن المقدسة وعدم لقدرة على التمييز بين (قدسية المكان وتاريخه) و (بشرية المقيم فيه او من يديره)، وأيضاً زرع وتبني وشراء مجموعات محلية – مرتبطة بمركز التحكم – تسيطر على (فضاء الوعظ المحلي) في الكثير من البلدان، وربطهم بأشخاص و(منظمات في الخليج العربي يأتمرون بأمرهم ويستفتونهم) في كل كبيرة وصغيرة.
الإتجاه الثالث: إنشاء منظمات إسلامية دولية واقليمية مثل (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) (هيئة علماء المملكة) … الخ، والسيطرة على الفعاليات الاسلامية والمؤتمرات الاقليمية والاستفادة منها في التحكم السياسي في نشاط المنظمات الاسلامية بانواعها، وتلميع (نجومها ومشاهيرها واسمائها اللامعة) وامتداداتها، واجتماعاتها، وبياناتها، وشبكاتها المنتشرة، والمرتبطة بمركز (التحكم وادارة العمليات) وتعمل في (فلكه وبالتوازي معه ووفق ادارته وخطوطه العريضة) في إطار (تحالف دولي منساق مع اللعبة الدولية في العمق).
الإتجاه الرابع: التحكم في الإعلام و(الإستحواذ على المشاهد) بشكل شبه كامل، عبر سلسة طويلة من المراحل التاريخية، والبرامج الدينية المتنوعة عبر القنوات الفضائية ومقاطع اليوتيوب (ضخ هائل من البرامج والفتاوي، والقضايا الدينية، والإستيلاء التام على فضاء الدين والتدين، و(الإستحواذ التام والكامل على مرجعيته)، بالإستفادة من (الإدارة الماهرة، القدرة المالية العالية والسخية)، وبالإستفادة من (ضعف المنظومات الإعلامية الوطنية) وعدم تطورها في بعض البلدان، والتي أهملت بناء الشخصيات الدينية الوطنية، وتركت مراكزها للفقر، والإهمال، والتهميش، وأيضاً عدم إهتمام هذه الدول بالجانب الديني بشكل ماهر ومحترف بإعتباره عصب مهم في حركة الشعوب وإستقرار مجتمعاتنا.
الإتجاه الخامس: التحكم في (النشاط الاسلامي الموسمي) والمنظمات الإسلامية، وإستقطاب ضخم ممول بقوة، وسخاء، لمسابقات حفظ وتلاوة القران الكريم، ورصد الجوائز الضخمة والمجزية والمغرية، وهكذا عبر الزمن تم صناعة وهم (مرجعية وتبعية وتقليد وأتباع) وتم الإستحواذ على مجاميع المشاركين، وربط التواصل معهم، وتسفيرهم للحج والعمرة والمؤتمرات والإجتماعات، وبحجج المشاركة في النشاط الإسلامي إقليمياً، وإنشاء شبكات تسفير إقليمية تحت هذا الغطاء.
الإتجاه السادس: نشر ودعم وتمويل تنظيمات دينية مرتبطة بمذهب معين (الوهابية – الاخوان المسلمين، واخواتهما وبناتهما وحفيداتهما)، وربط هذه التنظيمات بمركز تحكم عبر شخصيات منظمة يسمونها (مشائخ – علماء) يتحكمون في هذه الجماعات كليا عن بعد عبر (أمر العمليات) الحديث بصيغة (الفتوى).
وهكذا عبر (سلسة متوازية ومتشابكة من إتجاهات العمل) مع الزمن، وعبر عمل (منظم كدائرة) يستخدم (الإسلوب الجزئي لتحقيق الاهداف) تكون لدى العامة “وهم بمركزية الاسلام”، وإن ثمة (مركز هو من يسبغ الصفة الإسلامية على شعوب، وقادة، ومجتمعات، وينزعها منهم وعنهم، وهو من (يدعو للجهاد)، ومن (يحدد موقفنا كمسلمين من القضايا بتنوعاتها)، وهو الذي يمنح (المشروعية من عدمها)، وتمت السيطرة على (الفضاء الوطني العام من الخارج) عبر التحكم في العصب الديني الفاعل والحساس، وبدون أدنى رحمة أو إعتبار، حيث تمت الدعوة (للجهاد في شعوب مسلمة) ونشر القتل والقتال فيها مثل (ليبيا وسوريا،واليمن، والعراق، والجزائر.. الخ)، وبالمقابل أُهمال وأُغفال ومُنع – عن قصد – الدعوة (للجهاد في فلسطين المحتلة والإبتعاد عن ذلك كلياً كلياُ)، وتم أيضا تكفير مذاهب إسلامية أخرى (الشيعة – الأباظية)، وتكفير طرق دينية (الصوفية بتنوعاتها) … الخ، وتم عبر (إدارة عمليات) ضرب وحدة مجتمعات ونشر الفتن فيها، والحث على الإقتتال الداخلي، بإبتكار تُهم (علمانية – كفر – فساد عقيدة، فئة ضالة، فئة باغية، طاغوت – القرية الظالم اهلها …. الخ ) لتقسيم مجتمعات مسالمة أمنة، وضرب سلمها الأهلي دون رحمة، ونشر وباء التكفير، و “جئناكم بالذبح”، الأمر الذي يخدم (سياسات دولية معينة متنوعة) تتعلق بالهيمنة، وبالتضييق على شعوب وأنظمة ودول عربية معينة، وإسقاطها، لتحقيق أهداف ومأرب (اللعبة الدولية).
ويمكن استعراض نموذجين من الدول والمجتمعات العربية كمثال لتاثير “وهم مركزية الاسلام”، ومثال لمقاومة هذا الوهم والنجاة من تأثيره إلى حداً ما:
اولاً: دول وشعوب ومجتمعات هي الأكثر تأثراً وأسهل إستجابة:
- تونس: التي تعد من المجتمعات الاكثر تأثراً بـــ (وهم مركزية الإسلام وإستجابة لإدارة العمليات الدينية من وراء الحدود)، و رغم الإنطباع العام عن المجتمع التونسي كمجتمع مدني، الا إنه وبسبب الفقر والبطالة، وتجفيف مراكز التعليم الديني المحلية التونسية في المجتمع التونسي، والتضييق على المتدينيين تاريخياً بعد الإستقلال، وإهمال الانتاج الديني الفكري (للمالكية) – كمذهب متجذر في المجتمع التونسي الغني الزاخر – ساهم ذلك بقوة في إفساح المجال لما يأتي من خارج الحدود، وأصبح الشارع التونسي (لقمة سائغة في أيدي مجموعات الوعظ العابرة للحدود وضحايا للفتاوي المركزة والموجهة) ، وأيضا ساهم عامل (الاسلام السياسي التونسي) الذي ترعرع قادته خارج البلاد نتيجة للتضيق عليهم، مما وضعهم في (إطار تنسيق إقليمي)، ودولي لتسفير أعداد كبيرة من الشباب التونسي ليقاتلوا في (سوريا وليبيا والعراق) نيابة عن (اللعبة الدولية) المستفيدة من (وهم مركزية الاسلام) والعاطفة البسيطة حيال مايصدر عن (ضباط عمليات برتبة مشائخ وعلماء دين) يستخدمون القيم الدينية لتحفيز الشباب والمتدين البسيط.
- ليبيا: نتيجة للصراع السياسي عربياً تم إستهداف المجتمع الليبي بمجموعة من البرامج والمنظمات في محاولات لخلق مشاكل داخلية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث حقق ذلك أهدافه عبر الزمن، نتيجة لقوة الهجمة من جهة، وأيضاً نتيجة لـــ (تجفيف مراكز التعليم الديني المالكي) نهاية سبعينيات القرن الماضي بعد طرح فكرة (إسلام بدون مذاهب) الأمر الذي عرى (المجتمع الليبي المالكي وجفف مراكزه) امام مد التنظيمات الإسلاموية القادم من الخارج، ورغم التنبه مع منتصف تسعينيات القرن الماضي لذلك، إلا إنه كان متاخرا، خاصة مع السيطرة التامة على فضاء الوعظ الديني من طرف القنوات الخليجية، التي سيطرت بشكل شبه كامل على المشاهد الليبي في مجال (الدين والشريعة والوعظ)، وبذلك تأثر جداً قطاع عريض من الشباب الليبي لمد (الوهابية وشقائقها) وتم تسفير الالاف منهم للقتال في معارك اللعبة الدولية، وتم إدارتهم لخوض القتال داخل ليبيا نفسها عبر (إدارة وضباط عمليات برتبة مشائخ) يصدرون (أوامر عمليات تحت إسم فتوى) وتم تدريجياً وبالقوة الإستيلاء على العصب الديني المحلي بالسيطرة على المنابر بالقوة والتهديد، وتم تدمير وتكفير (مراكز دينية تاريخية للمالكية) التي قاومت التنصير وفرسان القديس يوحنا والإيطاليين، وتم نبش (مقابر الصحابة وعلماء المالكية)، وتجريف مراكز التعليم الديني المالكي، ونشر شبكة بث للراديو موزعة جغرافيا عبر ليبيا.
- اليمن: تعرض (الإسلام الوطني بمذهبه المحلي) مبكراً لأضخم عملية (تجريف وإستيلاء وإدارة) عبر ما يعرف بــ (المعاهد العلمية) التي كانت مرتبطة بطريقة او أخرى بــ (السلفية الوهابية) في المملكة العربية السعودية، أكثر مما هي مرتبطة بــ (الشافعية أو الزيدية المتجذرة في اليمن)، حيث وفرت – هذه المعاهد – عبر الزمن القطاع العريض جداً من المتعاطفين والمنساقين وراء ما يقوله ويمرره ويديره (مركز التحكم من خارج الحدود) لمصلحة السلفية الوهابية، حيث أوجد و مول – هذا المركز – في اليمن (حدائق خلفية) إستفادت منها في جذب الشباب العربي وتدريسه ما يسمى (علم الحديث)، وكانت (دماج) من أشهر المراكز، وهكذا أحدث ذلك تغير عميق في المجتمع اليمن في طرق التفكير الديني، وأصبح الشباب اليمني من أشهر مقاتلي (القاعدة) وتفرعاتها وبناتها وأخواتها وحفيداتها، وأصبح هذا الشباب أداة تدار من وراء الحدود وعبر وكلاء محليون (لإدارة العمليات الدينية) الإقليمية ومشاريعها ومعاركها.
ثانيا: وهي دول وشعوب قاومت مد “وهم مركزية الاسلام ” رغم ما حدث ويحدث فيها، فقد قاومت (الجزائر) العشرية السوداء التي كانت اداة القتل والقتال فيها مرتبطة بشكل او أخر باسباب تدعي انها “اسلامية” وكان لها دعم خارجي متنوع مرتبط بدول (عربية وغربية) يستفيد من (الواقع ومشاكله وإختناقاته)، تدير عبر مجموعة من الإجراءات و(الفتاوي والدعم المالي) ما حصل فيها وتغطيه، لكن منظومة (الإسلام الوطني المالكي) الجزائرية، قاوم عبر (مراكزها المحلية ومشائخها وعلمائها) في المدن والقرى (توات – تلمسان – مزاب – بسكرة – تمنراست … الخ، وشكلت (جمعية العلماء المسلمين الجزائرية) الحصن الحصين ومركز المقاومة الوطنية الذي عبر عن الإرادة الجزائرية الوطنية العربية الاسلامية في مواجهة (إدارة أعمال عمليات وهم مركزية الاسلام).
هذا وشكل (الأزهر الشريف) المظلة الوطنية وبقى دائماً حاضراً في حياة المصريين عموماً، حيث يعتبر (الخندق الحقيقي) الذي واجه “وهم مركزية الاسلام ” بالرغم من الهجمة الكبرى على مصر تاريخياً منذ منتصف القرن الماضي عبر ثنائية (العداء السعودي مركز الوهابية وشقائقها، والاخوان المسلمين ومركز ادارتهم في لندن والدوحة وإسطنبول)، وأيضا ما تفرع عن هذه التنظيمات من أسماء اخرى عديدة متوالدة – حيث صمدت مصر عبد الناصر بقوة (إسلامها الوطني ومراكزه الشافعية) في وجه (إدارة العمليات الدينية من خارج الحدود)، ولاحقاً بالرغم من حدة وشراسة وإتساع الهجمة، إلا إن المجتمع المصري بشافعيته القوية المتجذرة لا يزال عصياً على الإنصياع للعبة “وهم مركزية الاسلام” رغم ما حققه هذا (الوهم وأتباعه) من مشاكل، كما ان شعوب دول عربية اخرى كانت اقل تأثرا”بوهم مركزية الإسلام ” بسبب قوة مراكز (الإسلام الوطني المالكي) مثل (المغرب وموريتانيا) التي بقت حصينة، وضلت (محاظرها وزواياها ومشائخها وكتاتيبها و اوقافها وطنياً) هي المؤثر الأكبر في الشارع العام، والقطاع العريض للشباب، رغم تسرب البعض هنا او هناك.
وهكذا يتضح جلياً إن ثمة (صراع قوي لإستغلال المشاعر الدينية الجارفة) والدين كعصب للمجتمع العربي، بين (الحالة الوطنية ومصالحها ومجتمعها وإرادتها بمذهبها المحلي)، و(إرادة اللعبة الدولية وسياسة الصراع الإقليمي والدولي) الذي يستغل (المشاعر الدينية والإنجراف الاعمى) وراء الصيغ الدينية والتعابير والقيم التي تتم (إدارة أعمالها) بمهارة عالية محترفة في (نظريات التأثير ومعامل البحث القوية والمعرفة العميقة بالواقع) وكيفية تحريك الجماعات و(إدارة عمليات القيم من مركز معينة) عبر تحالف (المال والاعلام والفتوى واللعبة الدولية).
تلكم هي قصة إستغلال (ادارة أعمال العمليات دينية) عبر فخ (وهم مركزية الاسلام) الذي نشر الفتن بيننا ودمر مجتمعاتنا)، وصراعه مع (الإسلام الوطني بمذهبه المحلي الذي عزز وحدتنا وقاومنا به الإستعمار والحملات تاريخياً)، إنها قصته (بالمعنى)، و(طرق العمل) و(الأدوات)، و(الأسباب)، و(النتائج) التي نراها تدمر مجتمعاتنا، إنها إدارة إعمال لتحقيق (مأرب ومقاصد سياسية، وشن حروب بالوكالة، وتجييش الشباب للقتال في مشاريع مخطط له بعناية، والهيمنة على بلداننا)، بالإشتراك مع قوى دولية (اليد والقفاز)، إنه صراع قوي تصاعد تاريخياً حتى وصل إلى مداه، ولابد من دعم (الإسلام الوطني في بلداننا بمالكيته وشافعيته وأباظيته….. الخ) ومراكزه وعلمائه ومشائخه، بكتاتيبه ومحاظره وزواياه التاريخية المحلية، بشكلها الإجتماعي التاريخي في إطارها الوطني وشواغله الوطنية، فالوعي بـــ (لعبة إستغلال الدين والمشاعر الدينية من طرف اللعبة الدولية)، وأدواتها وعناصرها، وطرق عملها، يعد أمر حيوي لمواجهة إستغلال (المشاعر الشعبية الدينية)، وعلى النخب القيام بها.
والله من وراء القصد
(أشهد أن لا اله الا الله، وإن محمد رسول الله عبده ورسوله)