ترجل “القد المياس” .. وسقط “الكوكب الذري” من عليائه

ترجل “القد المياس” .. وسقط “الكوكب الذري” من عليائه

كونية المحمودي

رحلت حمامة الحب الدمشقية اليتيمة في زمن القبح والدم والإرهاب فهذا الزمن ليس زمنها .. غيب الموت أمير الطرب الأصيل .. سلطان الروح .. دن حلب وخمرها الحلال المعتق ..إنطفأ النجم الحلبي الذي أشع بنوره طريق الجمال لأكثر من ستين سنة تربع فيها الإسطورة صباح فخري على عرش الفخامة، والرقي، والإحترام .. من جانبي .. أشهد أن حلب “إحترقت” اليوم فعلا حسرة وحزنا على رحيل عملاقها وأسطورتها .. وأقول أن تشبيه صباح فخري بقلعة حلب الشهيرة فيه شىء من التجني والظلم، ذلك أن المعالم التاريخية شىء ملموس، يمكن فك طلاسمه بعلوم الهندسة، و يمكن – إذا دمرت – إعادة بنائها، بالمواد والخبرات والعقول، أما الإبداع النادر والمتفرد فيبقى عصيا عن فهم العقل البشري لأنه ظاهرة قريبة من المعجزات، وحالة لاتنطبق عليه المعايير العلمية، والقوانين النظرية، فمن الصعب جدا أن نعوض فنانا بحجم الفقيد صباح فخري حتى لو وفرنا له البيئة الفنية المناسبة.

كما من الصعب جدا إطلاق صفة الفن على كل من إمتهنه، ففرق كبير بين طرب يأخذك في زيارة إلى مشارف السماء، حيث ترافق النجوم، وتسلم على الملائكة، وتعيش مع الجمال، وتسبح في ملكوت الصفاء الروحي، وبين زعيق ونعيق يستخف بذائقتك، ويؤذي مشاعرك، ويسبب لك ثلوتا سمعيا وبصريا.حلب مسقط رأس الفنان صباح فخري تنتظر الآن الموكب الرسمي الجليل المصحوب بالورود وعربات المراسم الذي إنطلق هذا الصباح من دمشق برعاية وزارة الثقافة حاملا جثمان الفقيد في رحلة تقترب من الخمس ساعات محفوفة بدموع السوريين الذي وقفوا على جانبي الطريق لوداعه والترحم عليه ..

حيث سيصلى عليه صلاة العصر والجنازة في أحدى مساجدها .حلب تربة الإبداع المتميز، وموطن الطرب الشرقي الأصيل، و القدود الحلبية والموشحات الشرقية الأصيلة، هى المدينة الوحيدة التي تستحق إحتضان جثمان إسطورتها، فليس كل المدن تلد المتفردين في الإبداع، وليس كل المواطن أهلا لهم. وأنا أؤبنه بهذه الكلمات التي قد لاتفيه قيراطا من حقه أشعر أنني سعيدة الحظ لأنني حضرت له حفلتين كانتا من أجمل ليالي العمر أحدهما في بيروت وقد تداعت ذكرياتها الآن وأنا أسطر هذه الحروف، والأخرى في تونس حيث قام بتأدية آذان الفجر بعد إنهاء وصلته التي إستمرت حتى الصباح وهي عادة يمارسها في كل حفلاته تقريبا .عندما إشتدت الحرب على سوريا، ووصلت إلى مشارف دمشق أذكر أنني سألت صديقي جوان إبراهيم عن صباح فخري قلت له: ماذا فعلتم بصباح فخري ؟؟

وأين وضعتموه فضحك وأستغرب السؤال، قلت له نعم صباح فخري ثروة قومية وعربية وأممية يجب المحافظة عليها من رعونة التتار لأنهم لايعرفون قيمته. ووعدني وقتها بأن يسأل عن أخباره ويبلغني. طالما ترنم فخري “لولو بلولو .. أمر الله وحصل”، نعم أمر الله وحصل، وليس هناك رادا لقضائه، وكلنا به مؤمنون.اللهم أرحمه، واغفر له، وأجعل الجنة له مقاما ومستقرا، بقدر ماأمتعنا بفنه الجميل الراقي .كونية

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :