في كتاب (ضحكاتٌ وامضةٌ)

في كتاب (ضحكاتٌ وامضةٌ)

 للأديبة: لين هاجر الأشعل ” الجزء 2 “

 إيمان فجر السيد

من نصوصها التي تكلَّمت فيها عن الوطن على سبيل التعداد لا الحصر:

أخطبوط

إدانة

مغدورة

ذاك المنتخب

بنيانٌ مرصوصٌ…إلخ

تقول في نصها (نقلة)

“المترجم فلسطينيٌّ والقارئ يهوديٌّ،رضي الخصمان، غضبت فرقةٌ من ذوي الكاتب؛ فما زادته بلبلة التِّطبيع إلا شهرةً وكمالاً، تراكضوا لتعلمِّ العبريَّة”

نص قصة قصيرة جدًا من العيار الثقيل توافرت فيه شروط وأركان القصة القصيرة جدًا من جرأةٍ وتكثيفٍ ومفارقةٍ وتلميحٍ معتمدةً على الخاتمة الصادمة المتوهِّجة والواخزة بطرافة اللَّقطة، واختيار العنوان المناسبة (نقلة ) الذي تجلَّى بالنقلة النوعيَّة التي انتقلتها غالبية الدول العربية للتَّخلي عن عروبتها، وخيانة وحدة الدَّم ،والعروبة والتَّاريخ، والمصير المشترك، فطبَّعتْ علاقاتها مع الكيان الصِّهيوني المجرم، وكأنَّ فلسطين قضية الأممِّ وذمَّة الذِّمم، لم تكن يومًا!

**

كذلك تحدَّثت في نصوصها عن الزواج هذه المؤسسة الاجتماعيَّة الهامَّة في بناء المجتمع متناولةً قيمًا إيجابيةً وسلبيةً على قدر كبيرٍ من الأهميَّة تلك التي تقوم بدورٍ فعَّال في بناء العلاقات الإنسانيِّة، أو هدمها كالخيانة والوفاء والحبِّ والكره والتَّجافي والتَّوادد، من هذه النصوص:

عملٌ أعمى

تمويه

صباحيَّة

 روتين

مَرَضَان…إلخ

تقول في نصها الساخر( نافعة) “وضعتِ السماعة، بكلمات يسكنها الحزن، أعلمته بوفاة والدتها، تصنَّع تأثَّره بالخبر، راح يعانق زوجته ليخفِّفَ عنها وهو يبتسم، ما خفَّف الله من عبئٍ إلا عني.”

وكأنه يقول في سره” ربَّ ضارةٍ نافعةٍ” وقد أجادت الكاتبة توظيف العنوان النكرة “نافعة” واستثماره لخدمة فكرة النص وموضوعه.

تقول القاصة لين هاجر الأشعل في نصها:(عملٌ أعمى)

نسيت نظاراتها، عادت أدراجها، اقتفت أثر ضحكاتٍ غريبةٍ، قادتها إلى حُجرة النوم، وضعيَّةٌ صادمةٌ، الجارة الحميميَّة حسمتِ الموقفَ، وهي تضرب بخمارها على صدرها لعلَّها تستر زينة جسدها: أخي في الدِّين طلبني لتلاوة الفاتحة، فلبيت!

وأنا بدوري سأكتفي بالتعليق على هذا النص ذي القفلة المتهكِّمة الساخرة بتساؤلي الأكثر تهكمًا: بالله!!

**

كتبت القاصة عن مفاهيم ومواضيع حياتيِّة هامة وحيوية كالحب والدين والطوائف وبراءة الذمم من تلك الطوائف والمذاهب بأسلوب ٍناقدٍ ساخرٍ لاذعٍ وبرعت في تصوير الأوضاع، والشخصياتٍ والأطراف والمواقف تصويرًا حاذقًا، تارةً بصورةٍ مضحكةٍ بغرض التَّشويه، وتجسيم العيوب الأخلاقيَّة والسلوكية، أوالحركية، أوالعقلية وتارةً أخرى بتجسيد الانحلال الأخلاقيِّ الذي وصلت إليه بعض الفئات المجتمعيَّة المهنيَّة والشاذَّة كما في نص:

مفتاح الخطيئة، وذلك بطريقة الهُزء، وقوامه الامتناع عن إسباغ المعنى الواقعي، أو الحقيقيِّ على الموقف والمعاني، وإلقاء الكلام بعكس ما يُقال في مثل تلك المواقف لإيصال رسالةٍ مضمرةٍ في معرِض رسالةٍ أخرى صريحةٍ… من خلال توظيف الفنون البلاغيَّة، كأن تمدح في الوقت الذي تكون فيه عبارات الذمِّ طاغيةً وجليَّةً، وأنْ تذمَّ وتشتمَ لكنَّها في حقيقة الأمر كل غايتها الثناء والمديح، وبذا تتَّسع رقعة دلالات المعاني وتتعدد التأويلات… كلٌّ حسب رؤيته ومرجعيَّاته الثقافيَّة والاجتماعيَّة.

**

يلجأ أغلب الكُّتاب لهذا النوع السَّاخر من الأدب لأسبابٍ عديدةٍ منها:

التَّخوُّف من السُّلطة الحاكمة التي تتَّبع سياسية تكميم الأفواه، كذلك عندما يكون الكاتبُ غيرَ قادرٍ على تصوير حجم غضبه؛ فتصبحُ السخريَّةُ ملاذَه الوحيد؛ لتحقيق الانفعال النفسيِّ وثورته والهزَّة الوجدانيَّة بغاية ضرب وزلزلة العمق الإنسانيِّ.

تقول في نصها (حساب )الذي يتناول فكرَتَي الغنى والفقر والجزاء والعقاب:

“ذو الفاقة الذي قضى العمر يقاومها، تلا الشهادة عند السؤال، قطع الجسر الحادَّ، زُحزح عنها، استلقى على الاستبرق، فرغ من أكل التفاحة، حمدل ذاكرًا: {وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا}، يشقُّ صوت أخيه الثري ألسنة اللهب:

صف لي حورَ العين!”

تجلَّت هنا في هذا النص الغاية المُثلى من الأدب الساخر الذي يتبلور بالمعركة الحاسمة بين الفكرة والقالب، أمَّا الأخير فهو الأسلوب الذي تُصاغ فيه الفكرة والتي غالبًا ما تكون وقفًا على فكر المتلقي، ووعيه المتباين في استقبال الفكرة؛ فإمِّا أن يكون القالب شعبيًا يميل لإرضاء ذوق السَّواد الأعظم من الناس، أو يخاطب جمهور الصفوة، ويُعمل الكاتبُ من أجل ذلك كلَّ طاقة العقل من تفكيرٍ وجزالةٍ وعلم ٍ وثقافةٍ؛ وخيالٍ ديناميكيٍّ؛ لتبليغ الفكرة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :