ليبيا ..لعبة الوطن البديل !

ليبيا ..لعبة الوطن البديل !

  • المهدي يوسف كاجيجي

لدي قريب، بعد التخرج من الجامعة التحق بوزارة الخارجية وتنقل بين سفاراتها، وتدرج في سلكها الدبلوماسي، تبعا للقوانين واللوائح الصارمة، التي كانت مطبقة على العاملين بوزارة الخارجية الليبية، عندما كانت ليبيا دولة. عندما وصل إلى درجة مستشار، تم تعينه في إحدى سفاراتنا في احدى بلدان اوروبا الشمالية، السكن كان في حي السفارات، وهو واحد من الاحياء الراقية في المدينة.

ومن المعروف عنا نحن الليبيون اننا نحمل مطبخنا معنا في الحل والترحال، فبدأت روائح البهارات الذكية تعبق بالمكان، وشهد الحي الهادئ حركة غير مسبوقة من قبل الزوار من الاقارب والاصدقاء المصاحبين لأطفالهم، مما ادى إلى إثارة الريبة بين سكان المنطقة.

في أحد الأيام استدعاه السفير واستقبله بوجه مرتبك، واطلعه على خطاب مرسل من وزارة الخارجية التابعة للبلد المضيف، مرفقة بشكوى من بلدية المنطقة، التي تبدي فيها قلق الجيران وشكواهم من ظهور اشخاص غريبي الشكل والمظهر، يبدون كأنهم قادمين من كوكب آخر، من المترددين علي بيت الدبلوماسي الليبي، إضافة إلى ضجيج الأطفال واصواتهم العالية، والتعديات المتواصلة على الحدائق المحيطة بالمكان.

واشارت الشكوى من خوف السكان المقيمين من أن يكون بعض من المترددين حاملا لبعض الامراض والاوبئة، وتطالب بتقديم إيضاح . صمت السفير قليلا وبعدها سأل صديقي: شنوا تقترح نرد عليهم ؟، ضحك صديقي بمرارة وقال ساخرا: يا سعادة السفير، عندما ولدت ووعيت على الدنيا لقيت هؤلاء هم أهلي واقاربي واصدقائي، وللأسف لم تتح لي الفرصة ولم يقدم لي قائمة ( كاتالوج ) لاختيار شكلي وبلدي واهلي واقاربي واصدقائي، على الاقل كنت اخترت شكلي “بيوندو” أشقر مثلهم.لعبة الاختيار المسبق !تذكرت الحكاية التي تداولناها وقتها، وضحكنا عليها كثيراً. ومن باب التسلية حولناها إلى لعبة بيننا للضحك في شكل سؤال يطرح: :ماذا لو كان لدى كل واحد منا الفرصة للاختيار المسبق بعرض “كتالوج” لأختيار : لونه، وافراد عائلته، ووطنه ؟ فماذا تكون اختياراته ؟ ،وقتها اختلفنا في اختياراتنا ما عدي شيء واحد اجمعنا عليه وهو الوطن، وكان الجواب ” ليييا ” .ايها السادة، لقد مللنا حالة الندب والعويل المتواصل، على وطن يضيع من بين ايدينا، استولي على مقدراته الأفاقون والمغامرون والفاسدون وتم اقصاء أهل الخبرة فيه، ووقفنا نندب حظنا التعيس، ونواصل الجلد المتواصل للذات.

بلد كان قبلة للقادمين من كل الدنيا، من الباحثين عن فرص العيش الواعدة. تحول إلى بلد يهرب منه شبابه علي مراكب الموت، وتموت عائلاته غرقا في البحر بحثا عن لقمة عيش، وامواله في حالة نهب متواصل وبشكل ممنهج.ماذا لو حاولنا الخروج من حالة الاكتئاب التي تسيطر علينا؟ ونبدل ساعة بساعة كما يقولون، ونتشارك في لعبة الاختيار البديل، وليختلي كل منا بنفسه مستعرضا حالة الانحدار الذى وصلنا اليه مستعرضا خريطة العالم، وليطرح السؤال : إذ تواصل الانحدار ما هو الوطن البديل؟، ولعدم الإحراج احتفظوا بإجاباتكم، واسألوا الله الرحمة، ولنا ولكم الستر، وليرحمنا مما هو قادم.*

الصورة: بريشة الفنان الليبي الكبير محمد الزواوي رحمه الله.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :